المملكة
العربية السعودية وإيران وتركيا ضالعة حتى النخاع في محاولات حسم نتائج الانتخابات
العراقية
ثمة
أخبار جيدة وأخرى سيئة بشأن الانتخابات العراقية؛ أما الأخبار الجيدة فهي أن
القوائم الحزبية مقسمة على أسس غير طائفية، فلم يعد المهم في الأمر أن تكون سنيا
أو شيعيا، بل توجد انقسامات داخل القوائم الحزبية نفسها.
وأما الأخبار السيئة فهي أن الانتخابات العراقية،
والتي من المقرر أن تجرى في الثاني عشر من مايو/ أيار، أضحت ساحة حرب بين القوى
الإقليمية، حيث تتنافس المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا على حسم نتائج هذه
الانتخابات، وهذا ما فتت السياسة في العراق ضمن سعي محموم لشراء النفوذ، ولقد بات
العراق المرحلة الأخيرة في اللعبة الكبرى للهيمنة على المنطقة.
الولايات المتحدة وإيران في خندق واحد
وجدت الولايات المتحدة وإيران نفسيهما في عام 2010
في الخندق نفسه، ففي عام 2010 حصلت قائمة إياد علاوي، القائمة العراقية السنية بأغلبيتها،
على أكبر نصيب من الأصوات (24.7 بالمئة) وعلى أكبر عدد من المقاعد البرلمانية (91
من 325)، متقدمة بذلك ولو بعدد ضئيل على قائمة دولة القانون التي كان يقودها رئيس
الوزراء آنذاك نوري المالكي (والتي حصلت على 24.2 بالمائة من الأصوات وعلى 89
مقعدا).
إلا أن المالكي، الذي كان لا يزال رئيسا للوزراء منذ
عام 2006، تمكن من البقاء في منصبه جزئيا لأنه احتفظ بمساندة واشنطن وطهران وضمن
دعمهما له، ثم أعيد انتخاب المالكي في عام 2014 إلا أنه ما لبث أن أجبر على
الاستقالة في شهر آب/ أغسطس من نفس تلك السنة، أي خلال بضعة شهور فقط، بعد أن أعلن
تنظيم الدولة (داعش) سيطرته على الموصل، ثاني مدن العراق، وعلى مساحات شاسعة في
الجزء الشمالي من البلاد.
وحل
محله حيدر العبادي، منافسه الرئيس داخل حزب الدعوة الذي ما زال في السلطة منذ عام
2005.
تعليقا على التجربة الفاشلة في المشاركة في السلطة،
قال أحد السياسيين العراقيين، والذي ينتمي إلى إحدى الكتل ذات الأغلبية السنية في
البلاد: "عندما أصبحت القائمة العراقية في عام 2010 هي الحزب الأكبر كان من
المفروض أن يكون رئيس الوزراء منها، إلا أن رئيس الولايات المتحدة أوباما حمل الأقطار
العربية على الضغط على علاوي كي يتنازل عن السلطة للمالكي الذي يدين بالولاء
لإيران، ولقد هالنا حينها أن تتوجه الولايات المتحدة هكذا نحو إيران، وحينها قالت
لنا الولايات المتحدة إنها أكثر حرصا على وجود دولة ديمقراطية مستقرة يهيمن عليها
الشيعة، لأن ذلك يمكن أن يساعد في إجبار الإيرانيين على رؤية أن بإمكانهم الحصول
على نظام أفضل يسيطر عليه الشيعة".
من
وجهة نظر هذا السياسي العراقي، اتخذت واشنطن موقفا مناهضا للسنة لأنها لم تنس كيف
واجهت القوات الأمريكية في العراق مقاومة شرسة في المناطق ذات الأغلبية السنية أثناء
الاحتلال.
التنافس السعودي الإيراني
أما اليوم، فها هي إيران تمد يدها للقوائم السياسية
ذات الأغلبية السنية وذات الأغلبية الشيعية على قدم وساق، وذلك سعيا منها لتعزيز
نفوذها في المناطق التي بات فيها الحشد الشعبي، تلك الوحدات العسكرية التي قاتلت
جنبا إلى جنب مع قوات الأمن العراقية لطرد "داعش"، قادرا على إيجاد موطئ
قدم له بعد انهيار تنظيم الدولة وتراجع نفوذ حكومة إقليم كردستان منذ الاستفتاء
على الاستقلال في العام الماضي.
ولقد أخبرني محلل سياسي عراقي بما يلي: "بدأت
إيران في الدخول إلى المناطق السنية، بل لقد وصلوا إلى المناطق التي كانت تهيمن
عليها الدولة الإسلامية ولم يكن لإيران أدنى نفوذ فيها من قبل، مثل محافظة الأنبار،
كما بدأ الحشد في ممارسة نفوذه داخل المناطق الكردية والتي لم يكن له فيها نصيب من
قبل، مثل إربيل، وبدأ السنة يتجهون نحو دعم الموقف الإيراني، وذهب الإيرانيون
يمارسون الضغوط على الزعماء السنة من خلال الحشد الشعبي، وهذا له عواقبه بكل تأكيد".
أسفر التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران
عن انقسامات داخل الحزبين اللذين تهيمن عليهما الأغلبية الشيعية: حزب الدعوة
الحاكم والمجلس الإسلامي الأعلى.
أما حزب الدعوة فقد انقسم إلى تحالف النصر الذي
يقوده العبادي، والذي يراه البعض حاليا منحازا نحو المملكة العربية السعودية،
بينما يقود زعيم الحزب، المالكي، تحالف دولة القانون، والذي يميل نحو إيران، ولقد
أمكن الوصول إلى هذه الحالة بعد أن أصدر البرلمان قانونا يجيز للحزب الواحد الترشح
من خلال قائمتين متنافستين.
وهناك قائمة ثالثة اسمها الفتح، وهذه تمثل الحشد
الشعبي ويقودها هادي العامري، زعيم مليشيا كتائب بدر والتي تعتبر موالية لإيران
بالكامل، وهناك قائمة رابعة اسمها "سائرون" يقودها الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر،
والذي كان ذات يوم رمزا للمعارضة الشيعية ضد الاحتلال الأمريكي، وهذه القائمة
تميل اليوم نحو المملكة العربية السعودية.
وكان الصدر قد قام في العام الماضي بزيارة نادرة إلى
المملكة العربية السعودية والتقطت له صور بينما كان مجتمعا مع محمد بن سلمان، وكان
قد قال في مقابلة سابقة مع موقع ميدل إيست آي إن المليشيات الطائفية لا مكان لها داخل
العراق، بينما صرح رئيس سابق للبرلمان العراقي في لقاء مع ميدل إيست آي بأن الصدر
هو "الشيعي الأقرب إلى السنة" وبأنه الزعيم الشيعي "الأكثر
انفتاحاً على الحوار".
وهناك قائمة خامسة اسمها "الحكمة"، وهذه فرع ناجم عن
الانشقاق الحاصل في المجلس الإسلامي الأعلى، ويترأسها عمار الحكيم.
منذ شهر شباط/ فبراير الماضي، لم يدخر قاسم سليماني،
قائد لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي بات بحكم الأمر الواقع رجل
إيران الأول في العراق، وسعا في بذل جهود مضنية لتوحيد الزعماء الشيعة وبشكل خاص
لإقناع العبادي والعامري والحكيم في أن يشكلوا قائمة واحدة، إلا أن جهوده باءت
بالفشل، ويذكر أن أحد المبعوثين الذين أوفدهم سليماني قضى اثنتي عشرة ساعة وهو
يحاول إقناع الرجال الثلاثة بوضع خلافاتهم جانبا.
وحول ذلك قال لي محلل سياسي عراقي: "كانت تلك
محاولة لإضفاء الشرعية على الحشد الشعبي، إلا أنه بعد ساعات قليلة من صدور
الإعلان، تدخل السعوديون وضغطوا على العبادي حتى ينسحب، وكذلك فعل".
تشتت الولاءات
كما أن القوائم التي يهمين عليها السنة تعاني كذلك
من الانقسام من حيث ولائها للقوى الإقليمية المتنافسة، ويقود قائمة القرار خميس
الخنجر وأسامة النجيفي، أحد النواب الثلاثة للرئيس العراقي، وتتكون القائمة من
عشرة أحزاب صغيرة شكلت ائتلافا فيما بينها ويعتقد بأنها على صلة وثيقة بكل من
تركيا وقطر، ومعروف أن قطر تخضع حاليا لحصار تفرضه عليها المملكة العربية السعودية.
وهناك قائمة ثانية اسمها الوطنية، وهذه تشتمل على
الحزب الإسلامي العراقي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وهو أكبر الأحزاب السنية
في العراق، إضافة إلى علاوي، رئيس الوزراء السابق.
يوجد داخل القائمة مجموعتان علمانيتان وأحزاب
إسلامية على علاقة وثيقة بإيران، بينما يميل علاوي نحو الإماراتيين، ثم هناك قائمة
الحل التي يترأسها جمال الكربولي، وهذه تعتبر أقرب إلى السعودية.
وفيما لو ذهبت شمالا فستجد أن الصورة مشابهة، حيث
توجد قائمة واحدة اسمها "الكردستاني"، وتتشكل من الحزبين الحاكمين في كردستان:
الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، الأول منهما موال لإيران
بينما الثاني أقرب إلى تركيا.
وهناك قائمة ثانية مشكلة من الإسلاميين الكرد،
والذين دخلوا في تحالف مع مجموعة منشقة عن معسكر الطالباني اسمها حركة "كوران" أو "التغيير"، وأما القائمة الثالثة فيترأسها برهام صالح، وهو أحد النواب الثلاثة لرئيس
وزراء العراق.
قد تجد تركيا نفسها في موقع الحكم الذي يقرر ما إذا
كان العراق سيميل شرقا نحو إيران أو إلى جنوب الغرب باتجاه المملكة العربية السعودية
والإمارات العربية المتحدة، ولكن هناك من يفند هذه الحسابات ويؤكد أن العراقيين
مهما كانت انتماءاتهم العقائدية والمذهبية فإنهم لا يمكن أن يعاملوا كما لو كانوا وكلاء
للقوى الإقليمية المتنافسة.
وبالفعل، لا ينبغي أن يعاملوا كذلك لو أريد الحفاظ
على ما تبقى من هذا البلد الممزق. ولكن لكي يتسنى ذلك فلابد أن يثبت زعماء الأحزاب
أنهم لا يتصرفون كما لو كانوا وكلاء للقوى الإقليمية المختلفة. وسيتبين بعد
الانتخابات إلى أي مدى كانوا يتصرفون كما لو كانوا مجرد بضائع أو أموال منقولة.
ربما يكون الاحتلال الأمريكي قد انتهى، إلا أن
العقلية التي تقوده وتبقي عليه ما زالت حية.
المقال منشور في "ميدل إيست آي"
ترجمة: عربي21