يوم الثلاثاء 8 مايو الحالي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015 مع
الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا المعروفة بمصطلح (5 +1)، وذلك
القرار الأمريكي قد يؤدي إلى جر منطقة الشرق الأوسط برمتها، خاصة دول الخليج
العربي، إلى حافة الهاوية.
وقد أعربت بعض دول مجلس التعاون "المأزوم" عن فرحتها
وتأييدها للموقف الأمريكي من الانسحاب من الاتفاق، وفي تقدير الكاتب أن الفرحين من
العرب بما جرى، والمعبرين عن فرحتهم، ليس لديهم رؤية مستقبلية بما قد يحدث، وما
سيحدث فإنه أمر جلل. وهذه نذر الحرب قد أطلقت الطلقة الأولى بالأمس الخميس من إسرائيل
على مواقع، أي كانت في الأراضي السورية المضطربة، واحتمالات المواجهة العسكرية في
المنطقة متوقعة.
أسئلة
تطرح نفسها في هذه الظروف، هل الدول الخليجية التي عبرت عن فرحتها وتأييدها للقرار
الأمريكي الذي سيضعف إيران لا شك سيدفع دول الحصار لتتخذ التدابير والإجراءات
اللازمة لاستعادة الجزر الإماراتية (طمب الصغرى + طمب الكبرى، وجزيرة أبو موسى)
علما بأن القواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية لها تواجد كثيف في خليجنا
العربي وأنها ستكون عونا لدولة الإمارات لاستعادة جزرها المحتلة ليس حبا في الإمارات
وإنما نكاية واستفزازا لإيران.
اني أرى ذلك الإجراء ضرورة قومية على الإمارات انتهاز تلك الفرصة
لاستعادة أراضيها المحتلة بدلا من التوسع في جزر وموانئ اليمن والقرن الأفريقي
بعيدا عن الخليج العربي. وماذا سيكون الحال مع التجارة بين موانئ الإمارات عامة
وميناء البصرة الذي يخضع للنفوذ الإيراني بطريقة مباشرة وغير مباشرة هل سيطالها
نظام العقوبات؟ هل يدرك قادة دول حصار قطر الفرحون بالموقف الإسرائيلي والأمريكي
من إيران وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها على كل الصعد أن إيران قد تقلب
الطاولة لصالحها اذا تأزمت أمورها؟ أسئلة تحتاج إلى تأمل .
(1)
في
الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) استعانت إيران في عهد الخميني "أبو
الثورة الإيرانية" بإسرائيل عبر الطائفة اليهودية الإيرانية واليهود الإيرانيين
المهاجرين إلى إسرائيل بمدها بالسلاح والذخيرة لمواجهة العراق، علما بأن أمريكا في
ذلك الحين في عداء شديد مع إيران نظرا لاحتجاز رهائن دبلوماسيين أمريكان في مقر
السفارة الأمريكية في طهران على اثر قيام الثورة الإيرانية وإسقاط نظام شاه إيران وإعلان
الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه الحادثة تعرف ب "إيران قيت" كانت إسرائيل
تزود إيران بالسلاح والذخائر بمعرفة أمريكية، وعلى ذلك حققت انتصارات في جبهات
القتال مع العراق إلى اللحظة التي استعاد الجيش العراقي زمام المبادرة فألحق
الهزيمة بالجيش الإيراني وعلى اثرها اعلن الخميني "انه يتجرع كأس السم"
واعلن قبول قرار وقف اطلاق النار وانتهاء الحرب بين العراق وإيران.
لست
أدري ما إذا كان يعرف أهل الخليج العربي أن في إسرائيل أكثر من 250 ألف يهودي إيراني
ليسوا معادين (للدولة إيران) وقد يتضامن معظمهم معها، كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية،
وكما كان الحال في عهد شاه إيران، البعض منهم تولى ويتولى البعض الآخر مناصب عالية
في الحكومة الإسرائيلية، أذكر منهم على سبيل المثال الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه
كساف، والجنرال شاؤول موفاز، الذي أصبح نائبا في البرلمان الإسرائيلي
"الكنيست" وآخرين، وأن هذا الجمع اليهودي الإيراني في إسرائيل لهم
علاقات مع إخوانهم يهود إيران، والذين يقدرون بأكثر من 45 ألف يهودي إيراني باقين
هناك، طبعا اليهود المهاجرون من إيران ليسوا من أنصار حكم الملالي في طهران،
وبعضهم من أنصار المعارضة الإيرانية المقيمة في الخارج، ولهم علاقات قوية جدا
بالجالية الإيرانية المقيمة في أمريكا والدول الغربية. هذه القوى لا تقبل بضعف (إيران
الدولة) أو هزيمتها من أي قوة كانت.
الحاخام
يديديا شوفاط وكذلك الحاخام ما شاء الله غلستاني والأخير زعيم الطائفة اليهودية في
إيران يتمتعان باحترام من قبل السلطات الحاكمة في طهران، وهما لم يناصرا أي معاد لإيران،
ومعلوم أن الطائفة اليهودية الإيرانية اشتركت في الحرب ضد العراق، وأقيم لمن قضى
منهم في الحرب العراقية الإيرانية تمثال يزار في ذكرى تلك الحرب.
(2)
إسرائيل
عداؤها مع إيران مؤقت، يزول بزوال مناصرة النظام السياسي في طهران للقضية
الفلسطينية، وضمان عدم تهديد حزب الله اللبناني لأمن إسرائيل، أما عداء العرب مع إسرائيل
الصهيونية فإنه عداء قديم يعود إلى ما قبل احتلال فلسطين وقيام الدولة الإسرائيلية،
وخاض العرب حروبا ضد الكيان الإسرائيلي منذ عام 1948 أما إيران فلم تدخل معهم في أي
مواجهة لا في عهد الثورة الإسلامية الإيرانية ولا عهد الشاه من قبل. مشروع التسلح
النووي الإيراني وضع قواعده شاه إيران قبل سقوط نظامه، ولم تعارض إسرائيل ذلك
المشروع كما هو الحال اليوم مع إيران.
الإسرائيليون يعلمون أن اندفاع بعض قادة مجلس التعاون الخليجي
"المأزوم" نحوهم هو اندفاع مصالح النظم السياسية وليس مصالح الشعوب وهم
يعلمون انه في الأفق البعيد لن يستقر الحال لبعض تلك النظم، وعلى ذلك فإن أي إشارة
مهادنة من إيران تجاه إسرائيل ستتلقفها الأخيرة وستضحي بأي تقارب مع قيادات عربية
مؤقتة إلا تقارب الخنوع والإذعان لإسرائيل.
لآخر
القول: النظام السياسي في طهران "براغماتي" قادر على تغيير
اتجاهاته لتحقيق مصالحه العظمى، وليس أمام دول الخليج "المأزوم" اليوم
إلا فك الحصار عن قطر والترفع عن الأحقاد والصغائر من أجل أمة لا من أجل أفراد هم
إلى الدار الآخرة سائرون.
الشرق القطرية