قبل مدة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزير خارجيته بتغريدة على حسابه في تويتر وحينها بدت العاصمة الأمريكية واشنطن مدينة "لئيمة جدا"، هكذا وصفها الوزير المقال ريكس تيلرسون بُعيد إقالته وسط تصفيق مدو مِمن حضر خطبته الوداعية أمام موظفيه، وقال تيلرسون وهو يحاول لعق جراحه: "أود أن أطلب من كل واحد منكم التصرف بلطف تجاه الآخر ولو لمرة واحدة على الأقل في اليوم".
في الخرطوم أقيل وزير الخارجية
السوداني إبراهيم غندور مساء أمس الأول الخميس، بُعيد حديث صريح أدلى به في
البرلمان، تناول غندور مسألتين أساسيتين: الأولى موضوع النزاع السوداني المصري
حول حلايب. والمسألة الثانية الأزمة المالية التي تضرب وزارته وتصيبها بالشلل
التام. يبدو أن حديث الصراحة في المسألتين قد أغضب الرئيس عمر البشير، فسارع بإقالة
الرجل الذي اعتبر أفضل وزير خارجية يمر على منصب وزير الخارجية السودانية، الذي
تعاقب عليه نحو 27 وزيرا منذ الاستقلال عن بريطانيا في 1956.
في موضوع حلايب قال غندور بشكل
حازم، إن وجود الجيش السوداني داخل مثلث حلايب تأكيد لسيادة السودان عليه. وأشار
لتقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن ضد مصر بعدم شرعية الانتخابات التي أجريت في
حلايب، مشيرا إلى أن حلايب ظلت القضية الأبرز في كل لقاءات المسؤولين من
الجانبين.
في المسألة الثانية شكا غندور بمرارة عن عدم سداد وزارة المالية لرواتب البعثات الدبلوماسية السودانية، وإيجارات مقارها لمدة 7 أشهر الأمر الذي يهدد بشلل تام لوزارته.
ولعل من تناقضات أوضاع وزارة الخارجية شكوى غندور من تدخلات في عمل وزارته وسحب ملفات من صميم اختصاصها لتسند إلى جهات خارج الوزارة. ويتمثل الخلل في استمرار سفارة للسودان في العاصمة اليمنية صنعاء مفتوحة، رغم أنَّ السودان عضو في التحالف العربي ويشارك الجيش السوداني في الحرب باليمن. بيد أن المدهش حقا أن سفارة السودان باليمن ليست في صنعاء حيث انتقلت إلى العاصمة السعودية وبالتحديد في الرياض.
وعلق رئيس تحرير صحيفة التيار المستقلة متسائلا عن الحكمة في الاحتفاظ بسفارة سودانية تختص بتمثيلنا في جمهورية اليمن وفي مبنى منفصل في الرياض، بينما تقيم وزارة الخارجية اليمنية داخل السفارة اليمنية في مدينة الرياض.
لقد كانت إقالة غندور مدوية أشعلت
مواقع التواصل الاجتماعي ولأول مرة يكون المعارضون والموالون على قلب رجل واحد، ويتفقون على كفاءة الرجل وتميز أدائه خلال السنوات الثلاث التي شغل خلالها هذا
المنصب الخطير. واتفقت الآراء على أن غندور لم يخسر شيئا بل الخاسر كان الوطن.
وكتب أحدهم قائلا: "من يبلغ البشير أن الليلة ليلة حزن وطني" .
ويعد وزير الخارجية الأسبق مصطفى
عثمان إسماعيل الأطول بقاء في الوزارة، حيث مكث 7 سنوات. وتعتبر مدة غندور (3
سنوات) هي متوسط بقاء وزراء الخارجية في مناصبهم. وكانت مدة زعيم حزب المؤتمر
الشعبي الراحل حسن الترابي كوزير للخارجية في 1989 هي الأقل ولم تكمل شهرا واحدا.
ولعل إقالة غندور يمكن أن تلقي
بظلالها على ملف العلاقات السودانية الأمريكية، وكان الرجل يجد قبولا كبيرا من جانب
الإدارة الأمريكية، ووصفت شبكة "بلومبيرج" الأمريكية غندور حين تسلمه
وزارة الخارجية في 2015 بأنه "رجل أكاديمي، وليست لديه خلفية عسكرية أو أمنية
أو دينية، مما يعني أنه قد يكون شخصية برجماتية في المحادثات مستقبلا مع الولايات
المتحدة، وبالفعل أحدث الرجل اختراقا غير مسبوق في العلاقات الأمريكية السودانية، تمثل في رفع العقوبات الأمريكية بعد ما ظلت مفروضة لنحو 20 عاما، وكانت أمام غندور
مهمة أخرى وهي رفع اسم السودان من القائمة السوداء الخاصة بالدول التي تصنفها
واشنطن دولا داعمة للإرهاب. ويبدو أن هذا الملف سيكون عصيا على من يخلف غندور في ظل
ظروف تبدو أكثر تعقيدا من ذي قبل.
الشرق القطرية