مقالات مختارة

لماذا ظهر التوتر في اليوم الثاني للانتخابات؟!

1300x600

في اليوم الثاني للتصويت بدأت ملامح التوتر تظهر على أكثر من صعيد مهتم بالنسبة والأرقام التي ستخرج بها الانتخابات، وانتشرت الدعايات في الشوارع بمكبرات الصوت تحض الناس على النزول للتصويت، كما انتشرت دعايات أخرى تتوعد من لم ينزل للتصويت بعقوبة مالية ضخمة، ونشرت صحف مؤيدة للرئيس السيسي هذا التهديد بوضوح، وتسربت مشاهد من مؤسسات خاصة وتعليمية تتوعد من لا يشارك بمتاعب وظيفية، كما أن الصحف الحكومية والخاصة الموالية والتي تستخدم خدمة بث رسائل إخبارية عبر الموبايل باشتراكات خاصة، بثت ضمن الأخبار دعوات بالنزول والتصويت في الانتخابات، وهي مفاجأة مدهشة وربما لا تتفق مع قواعد التعاقد مع المشتركين، وأنا شخصيا أتتني رسائل من هذا النوع، كما أن الحديث عن مؤامرات اتسع نطاقه اليوم الثاني.


هذا التوتر ربما كان مرده إلى التقارير التي تسربت وتحدثت عن نسب تصويت متواضعة في اليوم الأول، وهو اليوم الذي يشهد ـ عادة ـ أكبر كثافة للحشد بأقوى طاقة للمرشح، وعادة ما يبقى اليوم الثاني والثالث بإقبال ضعيف وشبه رمزي للقلة التي لم يسعفها الوقت للنزول لأسباب عارضة، وكانت أكثر من صحيفة ـ مثل الشروق والمصري اليوم ـ قد نشرت تقارير متقاربة منسوبة لمصادر قضائية عن نسب مشاركة في اليوم الأول تتراوح بين 12%، و 13%، كما نشرت تصريحات لبعض السادة المستشارين رؤساء اللجان، تتحدث عن أن نسبة المشاركة في لجانهم لم تتجاوز 10% حتى منتصف اليوم الثاني، وهذه كلها مؤشرات مقلقة للغاية، والمؤكد أنها بتفاصيلها موجودة لدى مسئولي الحملات الانتخابية والجهات المعنية بالمتابعة أيضا.


هناك بعض الجهات التي استخدمت أساليب دعائية لا تليق بحدث سياسي رفيع وجاد مثل الانتخابات التي تحدد قائد الدولة للسنوات الأربع المقبلة، مثل توزيع مواد غذائية على الناخبين أو حشد بعض الفتيات والسيدات للرقص والغناء أمام اللجان، وأتصور أن هذه أفكار فردية، وليست سياسة رسمية، فلا أتصور أن جهة رسمية تقدم على هذا السلوك الشائن، وإنما هي مبالغات من بعض رجال الأعمال ممن يريدون أن يظهروا في صورة الداعمين الأبرز للرئيس السيسي، ولكنهم ـ بما فعلوه ـ أساءوا إليه، كما أساءوا إلى العملية الانتخابية، فمثل هذه المظاهر لا يمكن أن تشاهدها في أي انتخابات ديمقراطية في البلاد المحترمة، للانتخابات روح تنافسية وجدية واهتمامات بالأفكار والمشاريع والبرامج السياسية للمرشحين، وليس الرقص الخليع أمام اللجان، وفي حالة مصر تحديدا تزداد بشاعة هذه المشاهد والتي يراها أسر شهداء الجيش والشرطة الذين لم تجف دماءهم الطاهرة بعد، كما أن هذه المظاهر ـ بدون شك ـ فيها شبهة إساءة للمرأة المصرية، خاصة وأن مشاهد رقص الفتيات والسيدات في الشارع أمام الناس يشاهدها الملايين من الأشقاء العرب وغير العرب.


الليلة هي الأكثر أهمية في مسار الانتخابات، فهي الليلة الأخيرة التي سيبيت فيها الصندوق بعيدا عن "حضن" القضاء، وقد نفى المستشار محمود الشريف المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للانتخابات حدوث أي عبث بالصناديق خلال مبيتها في الليلة الأولى، وقال أن الصناديق تنتقل لغرف بأقفال بلاسيتيكة مرقمة، وتكون في حماية قوات الشرطة والجيش طوال الليل حتى يتم تسلمها صباحا من المستشار رئيس اللجنة، وأرجو من المستشار الشريف أن يطمئن الناس غدا أيضا، في اليوم الثالث، على أن الصناديق بخير، وأنها لم تتعرض لأي عبث يؤثر على الأرقام النهائية للتصويت.


في اليوم الثاني، كانت الملاحظة التي شهدها اليوم الأول، أن الغالبية العظمى من المشاركين في التصويت هم من كبار السن، سواء من الرجال أو السيدات، ونادرا ما كنت ترى الشباب، إلا في حفلات الرقص أمام اللجان، وهذا أيضا مؤشر ليس حسنا، لأن المفترض أن الانتخابات هي حسم رهان على المستقبل، ويفترض أن الشباب هم أكثر المعنيين بهذا المستقبل، وأكثر الحريصين على اختياره، غير أن الأجواء التي رافقت تلك الانتخابات، وحسم المرشح الفائز فيها بداهة من قبل أن تنعقد، لغياب أي منافسة حقيقية، أضعف حماس الشباب للمشاركة، لأنها ستكون شكلية ورمزية، بالإضافة إلى انتشار السخط والإحباط بين ملايين من الشباب الذين ملأت صدورهم أجواء ثورة يناير بأحلام وأشواق في الحرية والتعددية والديمقراطية الحقيقية والكرامة يراها تقمع الآن وتطارد، وهو ما عزز من عزوف هذا القطاع المهم عن المشاركة، وفي اعتقادي أن هذه أخطر ملاحظة على الانتخابات، لأن الذي يصنع مستقبل أي أمة هم شبابها، وغياب الشباب أو تغييبه من شأنه أن يصيب مختلف جهود الدولة وخططها التنموية بالشيخوخة المبكرة.

 

المصريون المصرية