صحافة دولية

ذا أتلانتك: لماذا مات أثر "سي أن أن" في سوريا؟

أتلانتك: كانت وسائل الإعلام المؤثرة تؤدي دورا مهما في قرارات الحكومة الأمريكية- جيتي

نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للكاتب يوري فريدمان، يقول فيه إن مصطلح "أثر سي أن أن" ظهر في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت تغطيتها الأخبار على مدى 24 ساعة، بالإضافة إلى نقل صور للمعاناة الإنسانية في مناطق مختلفة، وأداء دور مهم في قرارات الحكومة الأمريكية لاستخدام القوة العسكرية. 

 

ويشير فريدمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "أمريكا تدخلت في تلك الفترة في صراعات كانت ربما أهملتها لولا تلك التغطية، مثل العراق والصومال والبوسنة وكوسوفو، ولم يثبت أي بحث علمي صحة نظرية (أثر سي أن أن)، وبالتأكيد ليس أي شيء يشير إلى نجاح الرأي العام في الضغط على صناع القرار لإنقاذ الأرواح بسبب التقارير التلفزيونية، لكن تبقى الفرضية جذابة: وأن على وسائل الإعلام الجماهيرية أن تنقل مدى معاناة الآخرين حتى تقوم الشعوب والحكومات بفعل شيء تجاه ذلك".

 

ويقول الكاتب إن "القصف المستمر في الأيام الأخيرة في الغوطة الشرقية أثبت كم كان أثر (سي أن أن) صامتا في سوريا، نقرأ عن المئات الذين قتلوا فيما أسماه الأمين العام للأمم المتحدة (الجحيم على الأرض)، ونرى على (تويتر) صورا لأطفال ملطخين بالدماء تحت الأنقاض وفي الأكفان، ونرى طبيبة تنهار وتسقط على الأرض؛ لأنها تعلم أنها لا تستطيع إنقاذ حياة طفل جريح أحضر على عجل إلى المستشفى المكتظ، وتنتحب أمه، وتقول: (كنت أخبز له عندما سقط السقف علينا.. هناك طعام في الجنة على الأقل)".

 

ويجد فريدمان أنه "مع ذلك لم يكن هناك غضب شعبي كبير في أمريكا ضد الهجوم العسكري، وكان هناك جهد متأخر وخجول من القوى الدولية لإيقافه، وتبدو أخبار المذابح في الغوطة محيطة بنا بينما لا توجد أي أخبار عن جهود جادة لإيقافها".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "خبير الأمم المتحدة ريتشارد غوان، أشار على (تويتر)، إلى سبب لوفاة أثر (سي أن أن) في سوريا، واليوم -مع آثار ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي من مواد وصور غير متحقق منها والدعاية الحكومية الماكرة حول حرب أهلية، مغلفة بحرب بالوكالة وداخل حرب بين القوى العظمى، نتج لدينا (مشهد إعلامي مجزأ: صور مختلفة وروايات مختلفة، ولا توجد حقائق لا تدع مجالا للشك)، وأشار إلى رفض مبعوث روسيا للأمم المتحدة مقترحا لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، حيث قال إن كلام الإعلام عن المذابح في الغوطة ليس إلا هذيانا كبيرا تجاوز حقيقة غير مريحة، وهي أن المتطرفين يهاجمون دمشق من قواعد داخل المستشفيات والمدارس". 

 

وتنقل المجلة عن غوان، قوله: "ما نراه في الغوطة هو ما رأيناه كثيرا في نقاشات الأمم المتحدة للشأن السوري، حيث تأتي نيكي هيلي والبريطانيون والفرنسيون الى المجلس، ويحاولون فضح الروس، مستخدمين حقيقة أن لدينا كما كبيرا من الأدلة المخيفة لما يحصل على الأرض هناك.. ولا يقوم الروس بإهمال ذلك كله فقط، بل يقومون أيضا بالتشكيك في صحة تلك الأدلة، ووصفها بأنها أخبار كاذبة، مشيرين إلى أن كل شيء هو دعاية يقوم الثوار بتأليفها". 

 

ويقول فريدمان إن "صور المعاناة في سوريا استطاعت أحيانا تجاوز الضوضاء، ففي 2015 قامت أكثر من دولة بإبداء ترحيب أكبر باللاجئين السوريين، وكان ذلك جزئيا بسبب صورة الطفل الميت على الشاطئ، وبعد ذلك بعامين قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن صور الأطفال (الذين أصيبو في الهجوم الكيماوي) هي التي جعلته يقرر أن يوجه ضربة عسكرية للنظام السوري، لكن هذه التدخلات الإنسانية كانت اعتباطية ومؤقتة، حيث تلاشى التعاطف مع اللاجئين السوريين بسرعة، بالرغم من موت مئات الأطفال منذ انتشار صورة الطفل الذي وجدت جثته على الشاطئ، وتوقفت إدارة ترامب عن توجيه ضربات لنظام الأسد، بالرغم من استمراره في إلقاء البراميل المتفجرة وغاز الكلور".

 

وتورد المجلة نقلا عن غوان، قوله: "لدينا مستوى من المعلومات المباشرة حول الصراع لم يكن بالإمكان تصورها قبل عقدين، لكنها تأتي في الوقت ذاته الذي تراجعت فيه إمكانيات الرد.. حجم المعلومات التي تصلنا، مع عدم مقدرتنا على معرفة إن كانت حقيقية، يساعد على الوصول إلى شعور باليأس.. ولأن لا أحد يمكن أن يكون متأكدا إن كانت صورة الطفل الميت حقيقية، أو أن تكون صورة لطفل ميت قبل عامين تمت إعادة تدويرها، فإن هذا يولد حالة من التشكيك".

 

وينوه الكاتب إلى أن الخبير في أثر"سي أن أن" في جامعة شفيلد بيرز روبنسون، يوافق على أن تفكك وسائل الإعلام الجماهيرية، وسرعة دورة الأخبار الحديثة، يجعلان من الصعب الحصول على الانتباه المستمر للأزمات، حيث أن "من الصعب مثلا تخيل أن تقريرا حول جريمة بشعة في سوريا سيولد النشاط ذاته الذي ولده تقرير واحد على (بي بي سي) حول المجاعة في أثيوبيا عام 1984، عندما أطلق بوب غيلدوف حفلات (لايف إيد) لمساعدة المتأثرين بالمجاعة".

 

ويستدرك فريدمان بأن روبنسون حذر من أن القول بأن أثر "سي أن أن" مات في سوريا فيه تبسيط للإشكالية؛ وذلك لأن "البيئة المعلوماتية أكثر تخبطا الآن"، ففي تسعينيات القرن الماضي عندما أطلق مصطلح "أثر سي أن أن" كان المسؤولون الأمريكيون يناقشون الدور العسكري الذي على أمريكا، بصفتها قوة عظمى وحيدة، أن تؤديه بعد انتهاء الحرب الباردة، ما خلق مجالا لمفاهيم جديدة، مثل التدخلات العسكرية لحماية حقوق الإنسان، أو وقف جرائم، ولأشكال جديدة من وسائل الإعلام الجماهيرية للتأثير على ذلك الحوار. 

 

ويجد الكاتب أن "أحداث 11 أيلول/ سبتمبر غيرت ذلك كله، حيث تحولت الأولويات العسكرية إلى مكافحة الإرهاب، ومع ذلك وصف القادة الأمريكيون تدخلاتهم بعد 11 أيلول/ سبتمبر بمصطلحات إنسانية، حيث تحدثوا عن جهودهم لجلب الديمقراطية لأفغانستان والعراق، ولحماية المدنيين من الديكتاتور في ليبيا". 

 

ويذكر فريدمان أن "الطريقة التي تحولت فيها تلك التدخلات إلى حملات تغيير أنظمة وولدت مكافحة التمرد أثارت تشككا عميقا في إمكانية أمريكا تقديم مساعدات إنسانية من خلال القوة العسكرية".

 

ويبين الكاتب أن "أهمية أثر (سي أن أن) تكمن في تمكنه من تحريك الحكومات لاختيار التدخل بدلا من اللافعل، لكن ما يجعل الحالة السورية معقدة بالذات هي أن الدول الأجنبية تدخلت في سوريا لسنوات، بما فيها أمريكا التي كانت تدعم بعض فصائل الثوار، لكنها ركزت مؤخرا على محاربة تنظيم الدولة".

 

وتنقل المجلة عن روبنسون، قوله إن المأساة ليست في سوريا وحدها بل في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "هي لا تتعلق بفشلنا في القيام بفعل، لكن فشلنا في فهم الأفعال التي تتم هناك وتداعيات تلك الأفعال.. فهي ليست صراعات كنا متفرجين فيها، بل هي صراعات أدينا دورا فعالا فيها". 

 

ويختم فريدمان مقاله بالإشارة إلى أن الدور العسكري الذي اختارته أمريكا في سوريا لم يكن هدفه الأساسي حماية المدنيين أو تقصير أمد الحرب.