مقالات مختارة

الفلسطينيون وأزمة الخليج المخملية

1300x600

مؤسفة تلك الأزمة التي اندلعت في شهر رمضان الفضيل الماضي، وكبدت دول الخليج ما يقارب الـ 500 مليار دولار دون حساب مبيعات الأسلحة وغيرها من مصروفات إعلامية، أنفقت على شركات العلاقات عامة؛ ولوبيات استثمرت في الأزمة منشطة بذلك الحركة التجارية ومراكز البحوث الأمريكية والغربية؛ وضخت الملايين إن لم يكن المليارات في أتون هذه المعركة الإعلامية السياسية التي لم تنته فصولها بعد، رغم الوساطة الأمريكية التي تبدو كوساطة مدفوعة الأجر.


 رغم ذلك كله، فإنه يبقى شأنا خليجيا صرفا وأمريكيا بحتا لا يعني الفلسطينيين المشغوليين بمعركتهم مع الاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية التي ألقى اليمين الأمريكي المتطرف ثقلة فيها؛ للسيطرة على القدس وفرض هوية صهيونية لا على فلسطين والقدس فقط، بل وعلى العالم العربي والإسلامي الذي ينوب عنه الفلسطينيون ومقاومتهم في الدفاع عن هويته ومركزه الحضاري.


  ألقي اللوم في تفجر الأزمة على جاريد كوشنير صهر ترمب؛ ذلك ما كشفته وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز البحوث والدبلوماسيون؛ بل والتسريبات التي ما انقطعت من البيت الأبيض؛ أزمة وفرت عائدات ضخمة لمصانع الأسلحة الأمريكية والبنية التحتية فضلا عن مراكز البحوث واللوبيات وقادة الرأي الذين تدفقت عليهم الملايين لينخرطوا في الأزمة ويدلوا بدلوهم، متسابقين على معركة توفر الكثير من الفرص للربح المادي المضمون.


 شأن داخلي خليجي أمريكي كان لقانون جاستا فيه دور كبير؛ إذ تحول إلى سلاح فتاك للابتزاز كما تحولت فيه الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا إلى مادة أساسية لصياغة مضمون الأزمة ومقولاتها؛ فدفعت قطر ما يقارب 70 مليار دولار، أما السعودية دون حلفائها فدفعت ما يقارب الـ 450 مليار.


الأزمة فجرت أزمات وأطلقت حملات إعلامية وأخرى مضادة وعقدت الحرب في اليمن وأطلقت صراعا في البحر الأحمر؛ وجذبت القوى الإقليمية كإيران وباكستان وتركيا وروسيا والصين والهند، بل وفرنسا التي بحثت لنفسها عن مكان في وسط هذه الزحمة؛ إذ يعود للأزمة الخليجية الفضل الأكبر في تفجير أزمة استقالة الحريري، وما ترتب عليها من إحراج للدول المنخرطة فيها.


كل ما ذكر لا يفسر مبررات الزج بالفلسطينيين ومقاومتهم في أتون هذا الصراع الغريب المعالم؛ خصوصا بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي الجبير أمام البرلمان الأوروبي بالقول، إن دول الحصار تمكنت من إجبار قطر على وقف دعمها للجماعات الإرهابية كالنصرة وحماس، علما بأن النصرة جذورها سلفية لا تنتمي فكريا وأيدولوجيا لبلاد الشام ؛ ما يجعل الاتهامات المتبادلة حولها منطقيا؛ فالصراع على السلفيين يبدو منطقيا بين المتصارعيين في الخليج العربي؛ إلا أن الزج بالمقاومة الفلسطينية أمر مستغرب وغير مفهوم؛ ولا يعلم إن كان يخدم المتصارعيين ويدعم قضيتهم.


 ما هي الفائدة المتحققة من الزج بالفلسطينيين في صراع يدور رحاه في الخليج العربي؛ علما أن الفلسطينيين لم يشنوا هجمات خارج أراضيهم أو يعتدوا على أي من الدول العربية أو الأوروبية المجاورة والبعيدة؛ بل يدافعون عن حقهم المسلوب منذ العام 1948 الذي عجزت الدول العربية عن استرداده؟ 

 

الفلسطينيون ومقاومتهم بدوا في هذه اللجة كورقة في لعبة «الشدة»؛ ورقة رابحة يمكن من خلالها الوصول إلى قلب وعقل اليمين الأمريكي الصاعد في أمريكا؛ مسألة غابت عن المتصارعيين في الخليج العربي؛ فالفلسطينيون لا يرغبون بصدق أن يكونوا جزءا من هذه المعركة العجيبة والصراع المخملي عالي الكلفة؛  فمواردهم محدودة وقضيتهم معروفة والانخراط في الأزمة يعد ترفا يفوق طاقاتهم ولا يعكس انشغالاتهم؛ ويبقى الأمل بأن يكون الزج بهم خطأ وزلة لسان غير مقصودة على الأرجح؛ إذ لا تمثل السياسة الحقيقية للمملكة العربية السعودية في العمق.


الأزمة الخليجية باتت مصدر إحراج للجميع في المنطقة العربية؛ والجميع مرشح للتورط فيها عن غير قصد ورغبة؛ والأمل معقود على أن تتمكن الإدارة الأمريكية في إيجاد حل لها؛ أمل مستبعد في ظل المكاسب التي حققتها إدارة ترمب من تفجيرها وتصعيدها إذ باتت موردا سياسيا واقتصاديا وماليا مهما، تعتاش منها الإدراة المأزومة في واشنطن وتوظفها لخدمة أجندتها الضيقة، في حين تدفع الدول العربية التي نحترم ثمنها.

 

السبيل الأردنية