صورة الوزيرة عبير عودة وزيرة الاقتصاد الفلسطيني، مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، في قصر الإليزيه، تثير كثيراً من التساؤلات حول عمل المؤسسات الفلسطينية وجديتها إذا ما كان هناك تضارب في هذه المؤسسات أم أن قراراتها التي تتخذها هي مجرد فرقعات إعلامية وبيانات تشبه كل بياناتنا المتخمة بالشعارات.
الصورة في باريس ولا أحد يظن أنها مصادفة، لأن الاتفاق الاقتصادي الذي ينظم علاقة السلطة التي يفترض أنها مؤقتة بإسرائيل تم التفاوض عليه وتوقيعه في العاصمة الفرنسية لذا حمل اسم "اتفاق باريس"، وهو الاتفاق الذي وضع رقبة الفلسطيني في يد إسرائيل، وتم الاكتشاف لاحقاً أن الإسرائيلي صاغ كل بند في هذا الاتفاق بما يضمن تبعية الفلسطيني الدائمة ومنعه من إنشاء اقتصاد وطني، وهو ما تنبهت له المؤسسات الفلسطينية بعد ربع قرن ليقرر المجلس المركزي، الذي انعقد قبل شهر بعد التدهور الحاد بعملية التسوية وإعلان الرئيس الأميركي حول القدس، "الانفكاك من التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس والطلب من المؤسسات الفلسطينية البدء بتنفيذ ذلك".
هكذا جاء بالنص في قرار المجلس المركزي بالإضافة إلى مجموعة من القرارات الأخرى التي بدا واضحاً أنها كانت في واد مختلف عن واد الحكومة وسلوكها السياسي على الأرض، وبينما اتخذ المجلس المركزي من جملة ما اتخذه قراراً يكلف فيه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني، وأن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات التي وقّعت في أوسلو والقاهرة وواشنطن وما انطوت عليه من التزامات لم تعد قائمة".
وهنا السؤال حول مؤسسة "المركزي" واللجنة التنفيذية وباقي مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعلاقتها بإدارة السياسة إذا كانت الحكومة تلقي بقراراتها بعد شهر فقط من اتخاذها لأنها تعرف أنه لا أحد يراجع أو يحاسب، وأن مؤسسات المنظمة وأولها المجلس المركزي على درجة من الوهن وأكثر ضعفاً من المراجعة أو التدخل، وهي ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها هذا المجلس ويقرر دون أن يعير أياً من منفذي السياسة أي اهتمام لقراراته.
كتبنا كثيرا عن منظمة التحرير وشيخوختها والشلل الحاصل في مؤسساتها وضرورة التجديد فيها خشية من أن تفقد دورها كما هو حاصل والخشية الأكبر من جعل مؤسساتها على هامش النظام السياسي، وهو ما يؤكده مسار السلطة والخوف من نقل جميع صلاحيات إدارة الحالة الفلسطينية إلى مؤسسات السلطة، التي يفترض أنها سلطة مؤقتة ومكبلة بسقف اتفاقيات والتزامات تجعلها تحت رحمة الإسرائيلي ويشترط نجاح عملها مدى تقييم الإسرائيلي، وهذا خطر كبير يجعل من تأبيد المرحلة الانتقالية التي تجرعها الفلسطيني مرغماً ويحولها إلى مسار دائم كان كفيلاً بتحطيم المشروع الوطني ويخشى أن هذا ما يحصل ونحن عاجزون عن التفكير وفي حالة فقدان للتوازن لما يتساقط من قرارات إسرائيلية أميركية تباعاً.
منظمة التحرير الفلسطينية تقادمت وهذا الاختبار الأخير هو جزء من مجموعة الاختبارات السابقة، والتي أثبتت تراجع حضورها السياسي، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بكل مكونها ومكانها ومكانتها التي أدت إلى هذا التراجع، بعد تآكل أذرعها التنفيذية الممثلة بالاتحادات الشعبية التي لم يبق منها سوى الهياكل القيادية الصورية، ولم يحدث أي تغيير على تركيبة تلك المؤسسات التي ظلت تمثل حقبة سابقة تتمثل فيها قوى فلسطينية تآكلت شعبياً واختفى حضورها بين التجمعات الفلسطينية، ولم تعد تمثل شيئاً في الساحة الفلسطينية وهو ما جعل البعض يتعاطى بلا جدية مع هذه المؤسسات التي تضم شخصيات وأحزاباً وهمية.
يبدو أننا نحن الكتاب وقعنا في خطأ عندما أخذنا قرارات المجلس المركزي على محمل الجد اعتقاداً منا أن إعلان الرئيس الأميركي دفع ظهر الفلسطينيين للجدار وأرغمهم على الدخول في مرحلة جديدة، وأن تلك الإعلانات كانت بداية الدخول بهذه المرحلة، فقد كانت القرارات واضحة وصريحة وليست صياغة عامة تحتمل النفاذ منها لمن يريد أن يستمر بتبهيت الحالة الفلسطينية وإدامة المرحلة المؤقتة.
السلوك السياسي للحكومة أحرج الفصائل التي تداعت لاجتماع المجلس المركزي وشاركت في القرارات لتجد نفسها مرغمة على رفض اللقاءات التي تتم بين الحكومة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، والجبهة الديمقراطية التي اعتبرت أن هذه اللقاءات تتم معاكسة لقرارات المؤسسات الوطنية، كذلك حزب الشعب الذي رفض عضو مكتبه السياسي وليد العوض الاجتماعات المشتركة بعد قرار فك الارتباط، معتبراً أنها انزلاق نحو الحل الاقتصادي وعلى حساب الحقوق السياسية، أما الجبهة الشعبية فقد حذرت مما وصفتها باللقاءات العبثية مع الاحتلال رغم قرار فك الارتباط مع الاحتلال.
هل نطالب بإسقاط الحكومة لخروجها عن القرارات الوطنية وقرارات المؤسسات العليا؟ بالتأكيد سنكون منفصلين عن الواقع حينها لأن الحكومة تتصرف وفق تعليمات محددة، تلك التعليمات هي التي جعلت قرارات المركزي مجرد شعارات للتلويح وليس للتنفيذ وهنا لدينا إشكالية العلاقة بين السلطات وتلك تستدعي ما هو أبعد من الحكومة وسلوكها السياسي وهي طبيعة النظام السياسي برمته حيث غياب مؤسسات الرقابة والمحاسبة وإدارة السياسة بعيداً عن التقاليد السياسية، هذه التجربة أوصلتنا إلى ما نحن فيه وهنا ما يجب أن يستوقفنا جميعاً في ظل الانهيار الحاصل وفي ظل الخطر الداهم، وإلا سيجرفنا سيل ما هو قادم، لا يجوز الاستمرار بحالة العبث القائمة!
(الأيام الفلسطينية)