امتد لقاء "الجبر أو الكسر" الشهير الذي جمع بين رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون يوم الخميس الماضي حوالي ثلاث ساعات وربع، وحضره وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو. ووفقاً لما نقلته التقارير فقد كان رئيس الجمهورية صريحاً إزاء أولويات تركيا الإقليمية لاسيما في سوريا والعراق وكذلك في ما يتعلق بالملفات الخلافية بين تركيا وأمريكا.
في اليوم التالي، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إنه توصل مع نظيره الأمريكي إلى اتفاق بشأن إعادة العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي، مؤكّداً أنه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على تشكيل آلية لمتابعة وضمان تنفيذ القرارات المتفق عليها وعدم بقائها مجرد تعهدات وتصريحات. من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي، تيلرسون، إن تركيا والولايات المتحدة "لن تتحركا بعد الآن بشكل فردي" في سوريا، وتريدان "المضي قدماً في العمل معاً" لتجاوز الأزمة الحالية.
لا شك أنّ البيان الختامي المشترك للطرفين هو بمثابة تقدّم إيجابي سيما أنّ وزير خارجية تركيا كان قد أعلن قبل أيام من هذا اللقاء وبشكل صريح عن أنّ العلاقات التركيّة-الأمريكية كانت قد وصلت مرحلة حرجة جداً، محذّراً بشكل غير مسبوق من أنّه "إمّا أن يتم العمل على إصلاحها أو توقع انهيارها بالكامل".
لكن في المقابل، لا يجب ان نزيد من جرعة التفاؤل المتعلقة بالعلاقات التركية- الأمريكية الشائكة، وذلك لأنّ واشنطن اعتادت امتصاص غضب الجانب التركي من خلال تصريحات استيعابية ومن خلال وعود ولقاءات مشتركة، وهذا يعني انّ الاجتماع الحالي قد لا يخرج عن السياق التقليدي لطريقة تعامل الولايات المتّحدة مع تركيا.
أضف إلى ذلك انّ تيليرسون ليس اللاعب الأساسي في واشنطن لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتطورات العسكرية على الأرض في سوريا والعراق، وهذا الامر قد يكون له دلالته المرتبطة بالنقطة السابقة. صدور مثل هذه المقررات من خلال إجتماعات مع تيليرسون وليس من خلال اجتماعات مع وزير الدفاع أو مع مسؤول الأمن القومي يطرح علامات استفهام حول مدى مصداقية أو لنقل صلابة ما تمّ التوصل إليه.
الشيء الجيد في المخرجات التي صدرت عن الاجتماع هو أنّنا قد لا نضطر إلى الانتظار كثيراً لمعرفة إذا ما كانت أمريكا جادة في جبر العلاقة مع تركيا وجسر الهوّة التي تفصل بين الطرفين. إذ اتفق الجانبان على أن يتم تفعيل اللجنة المكلّفة بالتعامل مع الملفات الخلافية خلال شهر واحد على الأكثر. أضف إلى ذلك أنّ الحكم على النوايا الامريكية هذه المرّة لن يقتصر على الكلام فقط، وإنما على الأفعال أيضاً، وهذا يعني أنّ منبج ستكون بمثابة إختبار حقيقي لمدى التزام واشنطن بأقوالها.
الجانب التركي يعتبر أنّ موضوع منبج هو بمثابة دين غير مدفوع ومستحق الأجل على الولايات المتّحدة، وأنّ على واشنطن أن تدفع حتى يتم إعادة بناء الثقة بين الطرفين. المسؤولين الأتراك إقترحوا أن يتمركز جنود أتراك وأمريكيين في منبج بعد أن يتم طرد ميليشيات (YPG) الكرديّة منها إلى شرق الفرات.
هذا المقترح يهدف الى ضرب عدّة عصافير بحجر واحد كما يقول المثل. يريد المسؤولون الأتراك القول بانّهم لا يعارضون التواجد الأمريكي وإنما يعارضون التهديد الذي تفرضه الميليشيات الكرديّة، وإذا ما نجح المقترح فسيؤسّس -من وجهة نظر تركية- لمعادلة لطالما طالب الجانب التركي بها وهي الشراكة التركية-الأمريكية في سوريا، بدلاً من الشراكة بين أمريكا والميليشيات الكردية.
إذا كانت واشنطن صادقة هذه المرة، فهناك تطور مهم سيحدث من دون شك، لكن من السذاجة أيضا ان يتصور البعض انّها ستقوم بالتخلي عن الميليشيات الكردية مباشرة، بدليل المخصصات المالية التي طلبها البنتاغون والتي تبلغ حوالي 550 مليون دولار في موازنة العام 2019 لدعم الميليشيات الكرديّة. 300 مليون دولار ستذهب منها لتدريب ودعم ما يُعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية و250 مليون دولار للقوّة الأمنيّة الحدودية لشمال سوريا.
عامل آخر قد يلقي بظلاله السلبية على التطور الإيجابي الذي تم الإعلان عنه بحضور تيليرسون وهو توجّه إدارة ترمب لتعيين جون حنّا (هانا) كمبعوث خاص لسوريا. سبق لحنّا أن عمل مستشاراً لشؤون الأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، كما عمل في وزارة الخارجية في عهد إدارة كلينتون والولاية الأولى لإدارة بوش. لحنّا مواقف سلبية جدّاً من تركيا ويعتقد كثيرون أنّه معاد لأنقرة، وهذا سيتسبب على الأرجح بخلافات جديدة بين الطرفين سيما مع استمرار بريت ماكجرك مبعوث أمريكا لمكافحة "داعش" في منصبه، ومن المعروف عنه هو الآخر بتأييده ودعمه للميليشيات الكردية في سوريا.
هذه المعطيات تفرمل التفاؤل الزائد بشأن إمكانية تحسّن العلاقات التركية- الأمريكية بشكل سريع، ناهيك عن الملفات الخلافية الأخرى المتراكمة بين البلدين فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وعلى رأسها ملف "فتح الله غولن".