مقالات مختارة

قضي الأمر.. ومصر مقبلة على مرحلة أكثر قلقا

1300x600

قبل غلق باب الترشح بسبع دقائق فقط وصل مرشح "اللحظة الأخيرة" إلى الهيئة الوطنية للانتخابات لكي يقدم أوراق ترشيحه، حسب ما أعلنت الهيئة، وقدم المهندس موسى مصطفى موسى سبعة وعشرين استمارة دعم من أعضاء بالبرلمان، رغم أن الحزب الذي يرأسه وهو حزب الغد لا يوجد له عضو واحد في البرلمان، وكان الدكتور محمد أبو شقة المتحدث باسم حملة الرئيس السيسي الانتخابية قد أعلن عبر الفضائيات قبلها بيوم واحد أن استمارات دعم الترشح من أعضاء بالبرلمان جاهزة لمن يرغب، وكأنه معرض لمنتجات الجمعيات الخيرية توزع بالمجان على الفقراء والمحتاجين، وهي إهانة تصل إلى حد الاحتقار للبرلمان وأعضائه ودوره، ولم يجد المتحدث أي حرج في أن يتولى دعم منافس للمرشح الذي يتحدث باسمه، وهذا من توابع الحالة الكوميدية التي نعيشها في مصر هذه الأيام.


وقائع الأسابيع الأخيرة، وربما الأسبوع الأخير وحده، كشفت ـ فيما كشفت ـ أنه لا يوجد عقل سياسي يدير المشهد السياسي في مصر أو مؤسساتها الرفيعة بما فيها مؤسسة الرئاسة، حتى أن عملية الانتخابات وإنقاذها كانت موكولة إلى بعض "المتطوعين" من الإعلاميين الموالين للسلطة وصغار رجال الأمن في بعض الأجهزة قاموا بعملية التنسيق والاتصال والمفاوضات مع بعض الشخصيات من أجل الدفع بهم لاستكمال "مسرحية" الانتخابات، وكان بعضهم يعلن تفاصيل الخطوات التي من المفترض أن تظهر خلال الساعات المقبلة من باب التباهي والتفاخر، حيث هرب البعض من "العرض المهين" قبل أن تصل إلى المهندس موسى، ومن الواضح أن "العقل المركزي" في التوجيه أيضا كان غائبا، حيث لوحظ أن قطاعا من الإعلاميين الموالين للسيسي استقبحوا ما يحدث وطالبوا بوقفه باعتباره مهزلة، وهو موقف منهم لا يمكن أن يحدث إلا في حالة غياب "الاتصال" والتوجيه المحدد، والحقيقة أن هذه الأجواء ربما تكشف لنا كيف تدار شؤون الدولة السياسية بشكل عام، وهو أمر مفزع فعلا، لأنك لا تواجه أي قواعد مفهومة أو هياكل دستورية، وإنما تتعامل مع حالة أقرب للفوضى والاستهتار الذي لا يمكن تصوره في إدارة "دولة" بما هي "دولة"، هذا بالإضافة إلى انعكاسات ذلك على ثقة المستثمرين المحليين أو الأجانب بالثبات القانوني والشفافية في أجهزة الدولة ومؤسساتها وهو أمر مدمر لأي خطط للتنمية.


في اعتقادي أن "المتطوعين" أساءوا للسيسي وهم يتصورون أنهم يساعدونه أو يجملون المشهد له، فالصورة في فضائحيتها أوضح وأجلى من أن تفسر للعالم الخارجي أو لأحد في الداخل، وقد بدأ ينتشر في الإعلام الدولة موجة من السخرية المرة من حال مصر وانتخاباتها، وكما قلت سابقا، فإن خروج الانتخابات بترشح السيسي وحده كانت أقل سوءا من الاضطرار إلى الدفع بمرشح يضع على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي صورة السيسي ويقود حملة "مؤيدون" التي تطالب باكمال "الرئيس" ولايته الثانية لاستمرار "الإنجازات"، هذه سخرية من السيسي نفسه، قبل أن تكون احتقارا للشعب وللدولة وللسياسة من بابها.


قضي الأمر، وستدخل مصر في مرحلة ولاية جديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالطريقة التي تم إخراجها به، من البديهي أنها ستكون مشحونة بالغضب والتوتر وفقدان الثقة في كل الاتجاهات، وقد ينعكس ذلك كله على حالة البلد والشارع والاضطراب فيه، إن لم تفاجئنا العناية الإلهية بقناعات جديدة للسيسي يفتح فيها الفضاء العام ويرفع الحظر عن نشاط الأحزاب والقيود عن وسائل الإعلام ويوقف ملاحقة منظمات المجتمع المدني ويفرغ السجون المكدسة من آلاف المعتقلين في تسويات سياسية ويدعوا لانتخابات برلمانية جديدة حرة وشفافة ويترك المجتمع يتنفس سياسيا بشكل طبيعي، لأنه بدون تلك الحزمة من الإجراءات الضرورية، فإن مصر ستكون في خطر حقيقي، والدولة ستكون في حال من الضعف والقلق والارتباك، كما أن "شرخ" الشرعية سيتسع خارجيا وداخليا، وسيجعل القيادة السياسية أكثر ضعفا وأكثر عرضة للابتزاز الذي عانت من بعضه في فترة ولايته الأولى.

 

المصريون المصرية