نشرت صحيفة "لا كروا" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن مشروع الفيدرالية الذي يطمح
الأكراد لإنجاحه في شمال سوريا، خاصة وأن النظام قد انسحب من الجيوب الكردية في شمال سوريا منذ ست سنوات، ليعلن الأكراد في شهر آذار/ مارس 2016 تمتعهم بالحكم الذاتي الذي امتد حتى بلغ مناطق تقطنها غالبية من العرب.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المشرفين على تلك المنطقة، بعد إعلانهم الاتحاد الديمقراطي الشمالي في شمال سوريا، قد قدموا وعودا بالحفاظ على وحدة البلاد وبقائهم تحت سيطرة السلطة المركزية بدمشق. ولكن، يبقى هذا الاتحاد هشا بسبب وجود جيوب تابعة للنظام والقوات الروسية وبعض القواعد الأمريكية في منطقة الإدارة الذاتية أو ما يعرف لدى الأكراد باسم "روجافا".
وذكرت الصحيفة أن القوات الأمريكية الموجودة في شمال سوريا تهدف إلى حماية الأكراد من أي انتكاسة قد تحدث في علاقتها ببشار الأسد. فعلى الرغم من العلاقات الطيبة التي جمعت حافظ الأسد بعبد الله أوجلان، الأب الروحي لفكرة وحدة كردستان من مهاباد إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الفرات، فإن ذلك لم يجعل الأكراد بمعزل عن قمع ودكتاتورية
النظام السوري.
وتطرقت الصحيفة إلى ما تعرض له الكردي كمال البصراوي، الحائز على درجة الدكتوراه في علوم الفيزياء، من قمع خلال سنة 2004، حيث قال "لقد كنا نمنع من الحديث باللغة الكردية، وعندما كنت طالب ماجستير في جامعة حلب تم التلاعب ببيانات الحضور الخاصة بي حتى لا تسند لي درجات جيدة في مادة اللغة الإنجليزية، فأية عنصرية هذه. وفي ظل هذه الممارسات وجدت نفسي مجبرا على مغادرة البلاد لأتابع دراستي في أوكرانيا".
وأشارت الصحيفة إلى أن كمال يشرف الآن على جامعة كوباني، التي بدأت في إنجاز مهامها في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر، وتضم حتى الآن 50 طالبا، وهم لا يدرون إن كانت شهاداتهم العلمية ستقبل من قبل الجهات الرسمية أم سترفض.
كما أوردت الصحيفة أن مستقبل شمال سوريا يسير نحو المجهول منذ تحريره من قبضة تنظيم الدولة. وحيال هذا الشأن، أفاد الرئيس المشارك في إقليم كوباني، بيريفان حسن، "قدمت لنا المنظمات الإنسانية بعد تحرير المدينة الكثير من الوعود، ولكنها وعود جوفاء". وأكد المصدر نفسه أن ديار بكر التركية هي المدينة الوحيدة التي حاولت تقديم المساعدات لنا من أجل إعادة إعمار البلاد، وذلك قبل أن تغلق أنقرة الحدود في وجه الإدارة المستقلة سنة 2015.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوضع الهش في الإقليم لم يمنع الأكراد من السيطرة على أسعار النفط. وقد صرح إطار كردي مكلف بمهمة مراقبة الوضع الاقتصادي في "الطبقة"، التي تبعد 150 كيلومترا عن كوباني، بأن البنزين المستخرج من هذه المدينة يتم بيعه بمقدار سبعة أضعاف السعر الأصلي لما يلقاه من رواج في السوق السوداء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوضع الأمني في "الطبقة" تأمنه ميليشيات عربية محلية، تعمل تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية وبإمرة وحدات حماية الشعب. في المقابل، يشرف مجلس مدني يضم وجهاء قبائل وناشطين شبان عرب وأكراد، على إدارة مدينة ما بعد الحرب.
ونقلت الصحيفة عن الشيخ حسين الراشد، أحد أعضاء المجلس، قوله "لقد وجدنا أنفسنا أمام صعوبات جمة، بسبب ما خلفته الحرب من ألغام وبنية تحتية محطمة". في الحقيقة، كان وجهاء القبائل فيما مضى أنصارا لتنظيم الدولة، ولكن عندما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن حولوا ولاءهم إلى قوات سوريا الديمقراطية ووضعوا رجالهم تحت إمرة قياداتها.
وفي شأن ذي صلة، قال الشيخ حسين الراشد، إن "دولة ملحدة تحترم حقوق الإنسان أفضل من دولة إسلامية تسخر من هذه الحقوق"، مؤكدا أن النظام السوري قد عمل على تفرقة المجتمع السوري، ولكنه الآن يحاول ترميم ما تصدع بفضل ما بقي من روابط مجتمعية قديمة تحاول الالتئام من جديد. وبناء على ذلك، يبدو أن هذا التحالف المختلط يأمل في الجلوس على طاولة
المفاوضات من أجل التخطيط لمستقبل سوريا.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن روسيا ستعمل على تنظيم مؤتمر خلال شهر شباط/ فبراير من سنة 2018 في سوتشي، وأن اتحاد شمال سوريا يأمل في أن يكون موجودا بين الجهات الفاعلة في المؤتمر. وفي هذا السياق، أورد بيريفان حسن "لن يوافق
بشار الأسد على الجلوس على طاولة المفاوضات إلا باستخدام القوة، ولكن لا أحد هنا في كوباني يقبل نظامه، وسيجبر عما قريب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومناقشتنا".