كشف تحقيق مفصل أجرته أوليفيا سولون لصالح صحيفة "الغارديان" أن منظمة الخوذ البيضاء أو الدفاع المدني في سوريا كانت ضحية حملة منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتصويرها على أنها جماعة إرهابية لا تختلف عن تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة.
ويكشف التحقيق، الذي ترجمته "عربي21"، عن أن ناشطين معادين للإمبريالية ورموزا من اليمين البديل "ألت- رايت" استخدمتهم روسيا والمؤسسات الإعلامية المؤيدة لها لتشويه صورة المنظمة الطوعية، التي أنقذت آلاف الضحايا، وحظيت باعتراف دولي، ونالت ترشيحين لجائزة نوبل للسلام، وكانت موضوعا لفيلم مهم حول عمليات الإنقاذ التي يقوم بها رجالها من تحت الأنقاض.
وتشير سولون إلى أن في مركز الحملة مدونة بريطانية وكندية وأستاذا أستراليا تم استخدام ما ينشرونه لتشويه صورة "الخوذ البيضاء"، التي يعمل فيها 3400 متطوع من مدرسين سابقين ومهندسين ورجال إطفاء وخياطين وغيرهم ممن يهرعون إلى مكان القصف، ويقومون بإنقاذ الجرحى من تحت الأنقاض المنهارة.
وتتساءل الصحيفة عن هدف استهداف هذه المنظمة ذات الأهداف الإنسانية، وتجيب قائلة إنه بسبب الدور الذي تقوم به في إنقاذ الجرحى وللدور التوثيقي، حيث كشفت عن فظائع الروس والنظام السوري من خلال ما يلتقطونه من صور عن الحادث، رابطة بين حملة التشويه والتضليل ضدها والتدخل الروسي في سوريا عام 2015 للدفاع عن نظام بشار الأسد.
ويجد التحقيق أن الطريقة التي تم فيها استهداف المنظمة تمثل دراسة حالة دقيقة في حرب التشويه والتضليل، وتستخدم في الحرب أنواع المعلومات المضللة كلها ونصف الحقيقة ونظريات المؤامرة وضخ المعلومات على "غوغل" و"تويتر".
وتنقل الكاتبة عن مؤلف كتاب "الحرب من خلال 140 كلمة: كيف تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بتشكيل النزاعات في القرن الحادي والعشرين؟" ديفيد باتريكاراكوس، قوله: "هذا هو قلب الدعاية الروسية، ففي الماضي كانوا يحاولون تصوير الاتحاد السوفييتي على أنه نموذج للمجتمع, والآن فإن الأمر يتعلق بالتشويش على كل موضوع بأكثر من رواية, بحيث يصعب التعرف على الحقيقة عندما تتم رؤيتها".
وتبين الصحيفة أنه في لعبة التضليل تم استقبال الأصوات التي قالت إن جماعة الخوذ البيضاء إرهابية، في "روسيا اليوم" و"سبونتيك"، على أنهم محللون مستقلون وخبراء، مع أنهم من يؤمن بنظريات المؤامرة وينتمون لما يصفه أستاذ السياسة الدولية في جامعة بيرمنغهام سكوت لوكاس، بـ"تهييج دعائي".
ويلفت التحقيق إلى أن الحملة الشديدة على الخوذ البيضاء تنبع من أنها كشفت حقيقة الجرائم التي ترتكب في سوريا بسبب الغارات الروسية وطيران النظام.
وتنقل سولون عن مدير الرد على الأزمات في منظمة "أمنستي إنترناشونال" كريستيان بنديكيت، قوله إن عمل المنظمة لم يغضب نظام الأسد والسلطات الروسية فقط، لكن الكثير من الدعائيين الذين يعملون في فلكهم أيضا، حيث استخدمت اللقطات التي تلتقطها الكاميرات المثبتة في خوذ المتطوعين منظمات مثل "أمنستي" و"مركز العدالة والمحاسبة السوري" للتحقق من الشهادات التي تم الحصول عليها من سوريا عبر "سكايب" و"واتساب"، وكما يقول بنديكيت، فإن "هذا كان مضرا لرواية الروس والسوريين".
وتقول الصحيفة إن أهم منعطف في الهجوم على الدفاع المدني هو مجزرة خان شيخون بالكيماوي، التي قتل فيها 85 شخصا منهم عدد من الأطفال، لافتة إلى أن تحقيقات الأمم المتحدة أثبتت أن العملية هي من تنفيذ النظام السوري، إلا أن محطات التلفزة والمواقع المرتبطة بالروس ظلت تشكك بوقوعه، قائلة إنه "غير منطقي" وتم "ترتيبه" من المتطرفين.
ويورد التحقيق نقلا عن موقع اليمين البديل "إنفوورز"، قوله مكررا نظريات المؤامرة، إن الخوذ البيضاء هم الذين قاموا بالمجزرة، ووصفها "بالجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي حصلت على دعم الملياردير جورج سورس"، مشيرا إلى أنها لم تتلق أي دعم منه ولا من مؤسساته.
وتفيد الكاتبة بأن من بين أكثر الرافضين لنتائج تحقيق الأمم المتحدة المدونة فانيسا بيلي، وهي ابنة دبلوماسي بريطاني زارت سوريا لأول مرة في تموز/ يوليو 2016، والمحاضر في جامعة سيدني تيموتي أندرسون، الذي وصف الهجوم الكيماوي بـ"الكاذب"، والكاتبة والناشطة الكندية إيفا بارليت، التي قالت إن جماعة الخوذ البيضاء هي التي رتبت الهجوم، واستخدمت ضحايا تم إنقاذهم سابقا، وهو رأي دحضته القناة الرابعة البريطانية و"سنوبز".
وتنقل الصحيفة عن المحاضر في جامعة بيرمنغهام لوكاس، قوله: "إنهم يحاولون تبرير الذي لا يمكن تبريره"، وأضاف: "لديهم سلسلة من مواقع الإنترنت التي تنشر أنواع التفاهات كلها، ويستقبلهم تلفزيون (روسيا اليوم)".
وبحسب التحقيق، فإن الاستراتيجية الروسية كانت ناجحة في تشكيل النقاشات على الإنترنت حول الخوذ البيضاء، واستطاع الدعائيون ضخ معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم محتويات خلقت "إجماعا" على ما تقدمه وتنشره الجماعات الهامشية عن الخوذ البيضاء، وحتى القنوات الدبلوماسية الروسية، مثل السفارة في بريطانيا التي نشرت مذكرات قللت فيها من عمل الخوذ البيضاء.
وتورد سولون نقلا عن سام وولي، الذي يدرس البروباغندا الحاسوبية في جامعة أكسفورد، قوله: "لو تصفحت التغريدات عن الخوذ البيضاء فإن كل واحدة منها تساويها مع تنظيم الدولة، وتصف أفرادها بالإرهابيين، وتظهرهم على أنهم رجال أشرار.. وهذا كله من أجل نزع الشرعية عن جهود الغرب لتحقيق الاستقرار في سوريا"، فيما تقول زميلته سامنثا برادشو: "كلما زاد الارتباك سهل التلاعب بالناس".
وتحدثت الصحيفة مع عدد من الباحثين الذين يدرسون عمليات التضليل والدعاية على الإنترنت، ووجدت أدلة على حملة لاستهداف الخوذ البيضاء، حيث يقول أستاذ علم الحاسوب في جامعة إنديانا فيل مينزر، الذي طور أداة "هوكسي" من أجل ملاحقة عملية نشر المعلومات المضللة على الإنترنت، إنه عندما يتم البحث عن "الخوذ البيضاء" يكشف عن مصادر قليلة ولدت مئات القصص عن المنظمة، و"هي مثل المصنع"، مشيرة إلى أنه تم تقديم الأشخاص أنفسهم على أنهم خبراء، وتمت إعادة نشر مقالاتهم بروابط جديدة.
وينوه التحقيق إلى أن المدونة البريطانية بيلي تعد من أكثر الناشرين للمواد عن الخوذ البيضاء. وفي عام 2016، التقت بيلي رئيس النظام السوري بشار الأسد لمدة ساعتين في دمشق، كجزء من وفد مجلس السلام الأمريكي، ووصفت اللقاء بأنه "أكثر اللحظات فخرا"، وتمت دعوتها إلى موسكو؛ من أجل الحديث عن "الحرب القذرة في سوريا"، والتقت بالمسؤولين البارزين في روسيا، بمن فيهم نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغاندوف.
وتذكر سولون أن تأثير بيلي يتزايد، ففي نيسان/ أبريل 2017، تحدثت إلى جانب وزير من حكومة الأسد حول موضوع "الخوذ البيضاء: حقيقة أم خيال؟"، وتم تقديم ورقتها والشرائح الإلكترونية التي استخدمتها إلى الأمم المتحدة، حيث قدمتها الحكومة الروسية دليلا ضد الخوذ البيضاء.
وتنقل الصحيفة عن مدير "سيريا كامبين" جيمس سادري، قوله: "هذه الوثائق المسربة تقدم أدلة قوية على محاولات الحكومة الروسية تعزيز دور بيلي بصفتها طرفا مهما في البروباغندا".
وتختم "الغارديان" تحقيقها بالإشارة إلى قول سادري: "مدونة في موقع نظريات مؤامرة، ولم تزر سوريا إلا في العام الماضي، ولهذا يجب ألا يتم التعامل معها على أنها خبيرة محايدة في النزاع".
صحيفة: هكذا أجبرت موسكو المعارضة على الاعتراف بالأسد
التايمز: هكذا ستنتهي اللعبة في سوريا
ديلي بيست: بوتين يكوّن تحالفا مؤيدا للأسد.. ماذا عن واشنطن؟