عشرات الفعاليات الشعبية هنا في الأردن، حيث النبض الأقرب لوجع القدس، وأخرى بلا حصر في كل مكان يتواجد فيه عرب ومسلمون وأحرار.
عادت الشوارع إلى ألقها في الاستجابة لوجع القدس، فهنا تنبض الآيات في الوعي الجمعي للأمة، وتصدح "الإسراء" في المدى الممتد من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، ويتوارى دعاة التطبيع مع الكيان خجلا، أو ينبحون عبر أسماء وهمية في مواقع التواصل.
جاهل أرعن في واشنطن، ومجرم متغطرس في تل أبيب لا يدركان حقيقة هذه الأمة؛ الأول يجامل يمينا مسيحيا متصهينا يستعجل عودة المسيح المخلص بإعادة اليهود إلى فلسطين (ويجامل الصهاينة أيضا كي يساعدوه في معركته الداخلية ضد منظومة تلاحقه)، فيما يهرب الثاني من قضايا الفساد التي تلاحقه، ويغازل اليمين المتطرف في منظومته الاجتماعية كي يحافظ على ائتلافه الحكومي.
هنا القدس، وإليها تمتد بوصلة الوعي، ليس لأنها قضية الأمة المركزية والمقدسة وحسب، بل لأنها عنوان تحدي هذه الأمة لمن يريدون إذلالها، ولأنها هي التي تحدد غالبا مواقف أمريكا والعالم حيال قضايا الأمة جميعا.
من أجلها ضُرب ربيع الشعوب، ومن أجلها دفع الشعب السوري ذلك الثمن الرهيب، بسبب جواره مع كيان الصهاينة، وحرمانه تبعا لذلك من الانتصار.
من أجلها يزداد الحريق اشتعالا بوقود أمريكا والغرب كي ينتهي إلى تصفية قضيتها، وكل ذلك تدركه هذه الشعوب المؤمنة، ولذلك كانت كل هذه الفعاليات التي بدأت وستتواصل، بينما العين مصوّبة على الداخل الفلسطيني كي يصعّد تمرده على استحقاقات أوسلو، وتأكيد مسار الانتفاضة التي تحيي الأمة من جديد، وهي بدأت بجريان دماء الشهداء والجرحى.
إنها القدس التي ستعيد تصويب بوصلة الصراع في المنطقة، وتدين كل من يريدون تصفية قضيتها، أو يشوّهون وعي الأمة ويديرون صراعات تخدم الصهاينة، حتى لو رفعوا شعاراتها، فالمواقف الحقيقية تتبدى من خلال دعم الشعوب وتحررها، وليس بقاءها تحت نير الاستبداد بدعاوى سخيفة، لا تصمد أمام الواقع؛ لأن الشعوب هي التي تنتمي إلى القدس وليس طغاة يذبحونها وهم يتمسّحون بطهرها، أو بقضيتها الكبرى "فلسطين".
هذا التفاعل الجماهيري من قبل أبناء الأمة في كل أماكن تواجدهم يعيد تصويب البوصلة، ويبعث برسائل للعالم أجمع، ويؤكد للمترددين من القادة الفلسطينيين، أن الأمة لم تتخلَّ عن القضية كي يبرروا ترددهم في المواجهة، وهي جماهير ستفرض على أنظمتها أيضا تصحيح البوصلة حين ينتفض الشعب الفلسطيني أمام الغزاة، وقد تأكد ذلك في معركة البوابات، وفي كل المعارك السابقة.
هي أمة مقيّدة، ولو ملكت زمام أمرها لتدفق الملايين من أبنائها نحو نصرة القدس بالأرواح، لكنها السدود التي تمنع ذلك، وهي سدود لن تدوم إلى الأبد، وحين يشتعل الصراع في الداخل الفلسطيني ستجد تلك الجماهير سبيلا إلى النصرة بكل وسيلة ممكنة.
ما جرى خلال اليومين الماضيين كان عظيما، وسنرى المزيد بإذن الله، ولو لم يكن لما جرى من خير سوى أن أهال التراب على حلول تصفوية كانت تُطبخ في الظلام، لكفى. وقد قلنا مرارا إن هذه القضية المقدسة عصية على التغيبب، وستبقى كذلك، حتى يأذن الله بالنصر المبين.
الدستور الاردنية