شهدت الأيام الأخيرة تحركات أمريكية نشطة لمتابعة أعمال ما أصبح يعرف بخطة ترامب للشرق الأوسط، حيث حرصت كافة الأطراف المعنية بها على إظهار حرصها على اتخاذ خطوات عملية من أجل إنجاحها والعمل على إزالة العقبات من أمامها.
بدأت هذه التحركات الأخيرة بزيارة سرية لكوشنير إلى الرياض في 28-10 حيث كان برفقته غرين بلت المبعوث الأمريكي الرسمي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وبينما عاد الأول إلى واشنطن مكتفيا بزيارة الرياض، استمر غرين بلت في جولته التي شملت الأردن ومصر وفلسطين.
إن زيارة كوشنير للسعودية وحدها على وجه الخصوص قد تشير إلى أحد أهم ملامح صفقة ترامب وهي أن العملية ستكون إقليمية تشارك فيها مصر والأردن إضافة إلى السلطة الفلسطينية وستكون الرياض هي حجر الأساس فيها، وإن كان الأمر في السابق مطلبا فلسطينيا يعتمد على فرضية أن العرب هم عامل داعم ومقو للفلسطينيين، فقد أصبح اليوم أمرا واقعا لا تستطيع السلطة الفلسطينية التحفظ عليه بشكل من الإشكال، وذلك على الرغم من أن تقديرات مصادر فلسطينية كبيرة تشير إلى سلبية الموقف العربي وتغير في فرضية "الداعم" السابقة إلى فرضية "الضاغطة".
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى التطورات الأخيرة في السعودية من حملة اعتقالات واسعة لعشرات الأمراء والوزراء والهادفة، وفق معظم المحللين، لضمان تمكن الأمير محمد بن سلمان من إحكام سيطرته على الحكم في السعودية وليكون خليفة والده الملك سلمان في الحكم، ومدى ارتباطها بخطة ترامب والقاضية على ما يبدو بضرورة وجود نظام حكم سعودي قوي ومستقر وعلى درجة أعلى من ذي قبل في التعاون والتعاطي مع السياسات الأمريكية في المنطقة، المر الذي يسهله وجود أمير شاب ومتحمس ومندفع "وفق المصادر الغربية"، ولا يتردد في خطواته، سواء في مواجهة إيران أو التعاطي الإيجابي مع إسرائيل وغيرها.
أما الملمح الثاني لهذه الصفقة -ووفق مصادر أمريكية وإسرائيلية أنه لن يتم فرضها على الأطراف، وهو ما يخدم بالدرجة الأولى الأمر الواقع القائم والمبني على حكومة يمين في إسرائيل إيديولوجية، ومتعنتة وتسابق الزمن في ابتلاع الأرض الفلسطينية وتهويد القدس بشكل لم يسبق له مثيل.
وقد تقوم حكومة إسرائيل ببعض الخطوات الإعلامية التي تظهر دعمها وتأييدها لجهود الرئيس ترامب كما فعلت عندما قرر رئيس وزراء إسرائيل تأجيل إجراءات سن قانون القدس الكبرى كي لا يصرف الأنظار عن عملية "الصفقة"، كما وصف ذلك مصدر أمريكي كبير، وفي المقابل فقد كشفت صحيفة هآرتس 29-10 وعلى صفحتها الأولى أن وزير الكابينت الليكودي المتطرف "الكين" قد قدم خطة لفصل الأحياء العربية عن اليهودية في القدس وذلك كتكتيك معلن ومصرح به من أجل ضمان أغلبية يهودية في المدينة المقدسة.
وقد أكد راديو إسرائيل 30-10 أن نتنياهو سيعرض الخطة على الأمريكان، ومن المنطقي القول إنه سيسوقها كخطة تخدم عملية السلام ولا تمس بأي اتفاق قادم حول القدس.
أما داخليا فقد يكون الهدف هو إرضاء اليمين داخل الحكومة وخاصة الوزير كاتس ووزراء البيت اليهودي الذين قام نتنياهو بتأجيل"قانونهم"وهو القدس الكبرى.
أما الطرف الفلسطيني والذي لا يعترف به نتنياهو كشريك بل يستمر في إضعافه بأساليب عديدة كان آخرها قيام وزارة الخارجية الإسرائيلية 29-10 بتوزيع وثيقة مكتوبة و رسالتها المركزية أن أبو مازن هو الذي يقود عمليات التحريض، هذا الطرف يستمر في جهوده الأمنية والسياسية الداخلية التي تثبت أنه شريك، ولكن دون جدوى كما تمت الإشارة أعلاه، فقد اجتمع أبو مازن 29-10 مع وفد إسرائيلي غير حكومي في رام الله وقد ضم قائد المنطقة الوسطى السابق الجنرال عمرام متسناع وآخرون، وأكد لهم أنه لن يكون وزراء في حكومته لا يعترفون بإسرائيل أي لن يكون وزراء من حركة حماس فيها،كما ذكرت مصادر الوفد الإسرائيلي أن أبو مازن لم ينفي ما ذكره مصدر إسرائيلي كبير لقناة التلفزيون الإسرائيلي الثانية أنه تم إعادة التنسيق الأمني الى وضعه السابق لأحداث بوابة الأقصى، واكتفى بالقول إن التنسيق الأمني مستمر.
وهكذا يبدو أن كل أطراف عملية "صفقة ترامب" حريصون أشد الحرص على إظهار التزامهم بتوجهات الراعي الأمريكي بتسهيل العملية وإزالة ما استطاعوا من عقبات أمامها خاصة العناصر الإرهابية أو الرافضين لها.
وهنا لا بد من التساؤل لماذا ومن قام بمحاولة اغتيال أحد أهم أركان غزة ومسؤول أمنها الأول اللواء توفيق أبو نعيم بعد صلاة الجمعة في مخيم النصيرات؟ وإذا غابت وإن مرحليا، نتائج التحقيقات والأدلة الواضحة، حضرت وبرزت التحليلات المبنية على سؤال من المستفيد من العملية؟ هل هو المتضرر من الأمن والاستقرار في غزة؟ أم هو المتضرر من المصالحة الفلسطينية؟ أم هو من يريد أن يحد ويضعف دور وحضور حماس في مشهد ما بعد المصالحة؟
وهنا لا بد من عدم التقليل من دور الشخصيات المركزية في مراحل التحول، حيث لا توجد مؤسسات قوية وعريقة مما يعني أن ضرب هذه الشخصيات قد يقدم أو يقوض أو يؤخر مراحل بأكملها، من المناسب الإشارة إلى أن حماس اتهمت وعلى لسان كبار قادتها كخليل الحية، الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن الحادث الأمر الذي نفته إسرائيل وبشكل غير مباشر حتى هذه اللحظة، وذلك من خلال ما ذكره عاموس هارئيل في صحيفة هآرتس في "29-10 "ورجح أن المحاولة ناتجة عن تصفيات وحسابات داخلية في غزة وقد تكون داعش تقف خلفها، يشار إلى أن هذا النفي قد حصل أيضا في حادثة اغتيال القسامي الشهيد مازن فقها مع فارق أنه جاء رسميا على لسان وزير الدفاع ليبرمان ثم أظهرت التحقيقات الرسمية في غزة أن اسرائيل من تقف وراء اغتيال الفقها.
وباختصار يمكن القول إن أطراف صفقة ترامب تعمل بجد ونشاط هذه الأيام، وعلى الأرجح لن تقام دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 67 ولن يتوقف الاستيطان بل سيتزايد ولن يتم إطلاق سراح الأسرى في نهاية هذه الصفقة،وقد يتضرر جزئيا من يقف في وجهها أو من يعلن رفضها وقد يدفع حياته ثمنا لهذا الرفض، وقد يكون حرب العناصر الرافضة هو الجامع الموحد والضروري لاستمرار تعاون أطراف الصفقة.