لا أعرف بالضبط من هو أو ما هو "المعمل" الذي يفرخ للنظام المصري الحالي قوانينه الرديئة، خاصة أن بعض هذه القوانين، مضر جدا بالنظام نفسه وسمعته ويعتبر نوعا من التشهير به، حتى لو لم يخرج القانون، مجرد طرحه أو التفكير فيه رسميا هو عار يلحق النظام كله من أول رئيس الجمهورية حتى أصغر مسؤول سياسي، أقول هذا بمناسبة التعديلات التشريعية المقدمة على المادة 16 من أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، التي قيل إن الحكومة وافقت عليها، وهي التعديلات المتعلقة ببعض أحكام الجنسية، وأخطر ما فيها الإضافة الجديدة التي تنص على إسقاط الجنسية عن المواطن في حالة (صدور حكم قضائى يثبت انضمامه إلى أى جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة).
هذا النص بسهولة يجعل أي معارض للنظام الحالي معرضا لأن يصبح بلا جنسية في أي وقت، لأن بعض نشاطه السياسي بالتأكيد يمثل "مساسا بالنظام العام للدولة"، فضلا عن اللغة الفضفاضة في الحديث عن النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والكلام عن "وسيلة من الوسائل غير المشروعة"، بما يعني أن كتابة مقال سياسي حاد أو المشاركة في مظاهرة غير مرخصة، يمكن أن يتسبب في نزع الجنسية عن صاحبه، هذا ضرب من الجنون.
ومثل هذا النص القانوني لو طبقه حسني مبارك في أواخر عهده لتم نزع الجنسية عن مئات الآلاف من المصريين، ومنظمات حقوقية ونشطاء وصحفيين وسياسيين وغيرهم، ولو طبقه الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي لتم نزع الجنسية عن عشرات الآلاف من القيادات السياسية والحزبية والحقوقية والإعلامية الذين عملوا بكل قوة على تقويض النظام العام وقتها، وهذا القانون إذا تم إقراره، فسوف يكون سيفا مصلتا على رقاب من أصدروه أنفسهم، فالأيام دول، وإذا دالت دولتهم لأي سبب من الأسباب، كما ذهب سلطان من قبلهم، فإنهم جميعا سيكونون تحت سيف نزع الجنسية بكل تأكيد، بل إنه في هذه الحالة سيتم التوسع في استخدام القانون، لأنه سيكون جزءا من تصفية الحسابات والثأر من الماضي.
لا يتصور مصري يضرب بجذوره في هذه الأرض إلى عاشر جد لمئات السنين أن يصبح يوما ليسمع رئيسا أو وزيرا أو ضابطا أو حتى قاضيا يقول له: لقد سحبت منك جنسيتك المصرية، وأنت اليوم غير مصري، هذا هراء حقيقي، ومن فكر فيه أراد التشهير بالنظام الحالي نفسه، ناهيك عن الإضرار بالوطن كله وتعريضه للتمزق على خلفية أي صراع سياسي، لأنه لا يوجد بلد ليس فيه صراعات سياسية، وأدوار تروح وتجيء للحكم، سواء عن طريق ثورات أو انقلابات أو حتى تحول طبيعي أو شبه طبيعي لرأس الحكم ونخبته، ولو فتح المجال أمام كل نظام سياسي جديد أن يصفي حساباته مع خصومه أو من سبقوه بنزع الجنسية عنهم، لفقد الوطن قيمة أنه وطن، ورسوخ أنه وطن، ولضاع الانتماء.
إن الذين خانوا الوطن وعملوا جواسيس لدول أخرى، حتى للعدو الصهيوني، لم تسقط أي حكومة عنهم الجنسية، رغم الحكم عليهم بالإعدام، فضلا عن عار التاريخ الذي لحق بهم، ولكن أحدا لم يفكر أن يسقط الجنسية عن "الجاسوس"، فكيف يفكر أحدهم في إسقاطها عن معارض سياسي للنظام، بدعوى أنه يقوض النظام العام، ما هو هذا النظام العام، كما أن تصنيف القوى السياسية والجماعات بالإرهاب أو غير ذلك هو تصنيف سياسي في المقام الأول، وعادة ما يجري تعديله أو إلغاؤه أو نسيانه في مراحل تالية، حسب اتجاه الريح السياسي، والجنسية الأصلية أرسخ وأقدس من أن تكون عرضة للتلاعب بتلك التحولات السياسية، والإخوان ـ علي سبيل المثال ـ الذين يصنفون اليوم في مصر بأنهم كيان إرهابي، يمكن أن يكونوا في العام المقبل أو الذي يليه حزبا سياسيا شرعيا معترفا به، بل وحليفا للحكم الحالي أو الذي يليه، فأمواج بحر السياسة بلا شطآن، ولا يوجد فيها عداوات دائمة وإنما مصالح دائمة، فهل هؤلاء الذين ستنزع عنهم الجنسية لثبوت أنهم من هذه الجماعة أو تلك، سيتم إعادة الجنسية لهم إذا تغير تصنيفهم سياسيا بعد ذلك.
مصر قبل أي نظام، وبعد أي نظام، مصر أبقى من أي نظام وأقدس من أي نظام، ولا يوجد أي نظام يملك أن يلغي مصرية المصري مهما اختلف معه أو عاداه أو لفظه.
أوقفوا هذا الهراء، وإذا لم تكونوا حريصين على سمعة النظام وصورته أمام الداخل والخارج، فعلى الأقل كونوا حريصين على سمعة مصر وتاريخها وحضارتها وانتماء أبنائها لها، الذي هو مضرب الأمثال في العالمين.
المصريون المصرية