فجأة، ظهر إمام الحرمين أمام العدسات والميكروفونات، لا ليصلي بالناس إماما في أحد المراكز الإسلامية في أمريكا بصفته إماما للحرم المكي، وما أدراك ما الحرم المكي في نفوس المسلمين وغيرهم؟
لم يؤم الشيخ السديس المسلمين، ولا أدري هل في خطته زيارة المراكز الإسلامية، أم سيتبرأ منها، باعتبارها أوكارا للإرهاب الذي ندد به وطالب العالم بالوقوف صفا في مواجهته؟ هذا ما قاله: "مثل هذه الظروف التي تحتاج إليها البشرية جمعاء إلى مكافحة الإرهاب والتطرف والطائفية".
السديس ظهر ليتحدث وبكل ثقة وفرحة عن زعماء العالم وقادته الجدد، وهما من وجهة نظر سيادته: الملك سلمان ملك السعودية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملك الغابة.
السديس الذي جاء من خلفية المفروضة أنها دينية أهلته مع مؤهلات أخرى لكي يكون إماما للمسجد الحرام بمكة المكرمة نسي دوره الدعوي، أو اضطر لنسيانه، فخلع عباءة عالم الدين وحافظ القرآن، وارتدى ثوب السياسي الغشيم، الذي لا يجيد سوى ترديد ما يملى عليه. وفي غمرة الحماسة، صرح بأن ترامب يعمل من أجل سلام العالم، ليس هذا فحسب، بل إنه دعا له بالتوفيق لما يسعى إليه.
هكذا وفي لحظة قد تبدو للبعض أنها لحظة طيش، نسي الشيخ المحترم ما يدرسه عن "الولاء والبراء"، مثلما نسي دماء إخوانه المسلمين في أفغانستان والعراق والصومال، التي سالت بفعل الغزو الأمريكي لتلك البلدان الشقيقة عربيا و إسلاميا.
قد يقول البعض إن السديس أخطأ، لكنني أعتقد أن الأمر دبّر بليل، فلماذا يذهب السديس دون غيره ليشارك في مؤتمر تم تحت رعاية الملك سلمان وولده محمد، ولا يذهب غيره؟ فالرجل ليس رجل سياسة، وليس مفكرا إسلاميا، و لا رمزا ثقافيا، وليس معروفا عنه المشاركة، وبصراحة غير مسموح له ولا غيره من شيوخ السلطان إلا بإذن ورغبة ودعم من السلطان نفسه أو أحد أقاربه.
المرحلة الحالية والمقبلة تتطلب تصدير رموز الدين المعروفين عالميا بأنهم شيوخ الوهابية للمصدر السياسي الدولي؛ ليتحدثوا عن الحب والتسامح، وعن النسخة الجديدة من الإسلام، التي بشر بها السيسي وسانده على نشرها ابن زايد بالأمس، واليوم يكمل سلمان وولده المهمة.
مشهد السديس وتصريحاته تتواكب مع تصريحات ملك البحرين، التي أبدى فيه أسفه على المقاطعة الاقتصادية مع الصهاينة، لتكتمل الصورة المطلوب رسمها للمرحلة المقبلة. فما هي هذه المرحلة؟ مرحلة تدجين الإسلام وتخفيفه وتذويبه حتى يصبح منزوع الدسم.
إسلام لا علاقة له بالحياة ولا بالاقتصاد ولا بالحياة الاجتماعية ولا بالسياسة.
إسلام دون قرآن ولا سنة.
إسلام دون جهاد ولا حتى الدفاع عن النفس.
إسلام لا يعطي الرجل الحق في أن يطلق زوجته وهو يراها في أحضان عشيقها، كما قال علي جمعة، مفتي السيسي.
إسلام يحرم الربا، لكنه لا يجبر الحاكم على منع الربا أو إغلاق بنوكه المنتشرة بطول البلاد وعرضها.
إسلام يحرم الزنا، لكن الحاكم من حقه أن يسمح بالزنا، وعلى الشيوخ أن يقولوا للناس إن الزنا حرام.
ولكن علينا في الوقت ذاته طاعة ولاة الأمر، وهي مقدمة على كل شيء، وإن ضرب وجهك وجلد ظهرك وسلب مالك.
إسلام يسمح للفتاة متى بلغت سن الرشد أن يكون لها صاحب أو صديق، وليس من حق الأب أو الأم الاعتراض، لا بل إن من حقها أن تحمل وتلد دون زواج، فربما يأتي الزواج بحقها إن شاء الله.
قد تقول إن هذه مبالغات، لكن الحقيقة أن مبالغات الأمس أصبحت حقائق اليوم، فمن كان يظن أنه سيأتي يوم يحاصر فيه الشقيق مثلما الحال مع قطر؟ ويرى مفتي المملكة الذي لا أعتقد أن لديه علما ولا معرفة بحقائق الأمور التي تدور من حوله بأن الحصار في مصلحة قطر؟ وربما يخرج غدا هو والسديس ليقولا معا إن غزو قطر أو الانقلاب على السلطة، الذي يخطط له على قدم وساق، هو عمل من أعمال الجهاد في سبيل الله؟
يسألني البعض عن سبب زيادة أعداد الملحدين في مصر والعالم العربي، والإجابة اسألوا الشيخ
(سابقا) عبد الرحمن السديس، خصوصا بعد تصريحاته التي جعلته ومملكته أولياء لأمريكا وأعداء للمسلمين.