كتاب عربي 21

استنزاف الحراك الثوري!

1300x600
ليس عيباً أن تكون اصلاحياً، فكل ميسر لما خلق له، وإنما العيب ألا تكون ثورياً ومع ذلك تصر على تصدر المشهد الثوري!

أزمة الثورة المصرية، أن من تخطوا الرقاب فيها، لم يكونوا ثوريين، ولهذا فقد كانوا في عجلة من أمرهم، إلى درجة أنهم اعتبروا في "تخلي مبارك" عن السلطة، وتسليمه إياها للمجلس العسكري، انجازا ونصرا قريبا، ونسينا أن الخيل والبغال والحمير دخلت ميدان التحرير في رعاية العسكر، وأن دبابتهم تحركت في اتجاه الميدان، لتحريره، لولا أن شباب الثورة منعوها من ذلك!

لا تحدثني عن أن بداية انقسام الثوار، كانت في استفتاء مارس 2013، ففي الحقيقة أن هذا الاستفتاء كان تتويجاً لقرار أتخذ عشية تنحي مبارك بتشكيل لجنة، لتعديل ثماني مواد من الدستور، وكانت جهة اصدار القرار هي المجلس العسكري، ولم يمنعك هذا من أن تواصل احتفالك بالنصر المبين، وجلوسك مع العسكر باعتبارهم حموا الثورة، وقد قلت هذا متطوعاً، وبدون أن تقيم الدليل عليه!

إن أزمة تصدر المشهد الثوري من غير الثوار، لم تكن حكراً على مرحلة ما بعد الثورة، ولكنها امتدت إلى مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري، ومنذ فض رابعة وأخواتها واعتقال المؤثرين من الشخصيات المعروفة، وقد تم استنزاف المشاركين في الحراك الثوري، بدون هدف معلن، اللهم إلا إذا كان الاستنزاف في حد ذاته كان هدفاً!

ما هي الخطة التي كانت موضوعة لهذا الحراك؟، عندما يخرج الناس في كل مرة بعشرات الآلاف إلى الشوارع، وبعد أن يبلغ بهم الإرهاق مداه، يصفر الحكم بانتهاء فعاليات هذا اليوم، فيصبح الوصول إلى البيوت هدفاً، وهو ما تستغله قوات الأمن في اعتقال بعض من تم وضع العين عليهم، ويتولى الشبيحة الاعتداء المبرح على من يقع تحت أيديهم، وسط حالة فرار، تفرضها حالة انتهاء المباراة؟!

الأعداد التي كانت تخرج على مدى أكثر من ثلاث سنوات، كانت أكثر من الذين خرجوا في أيام الثورة، بل إن محافظات بأكملها مثل محافظات الصعيد لم تشعر بالثورة، ولم يحس القاطنون فيها بها، خرجت لترفض الانقلاب، وعندما أتيحت لها حرية الحركة المحدودة، لم تحاول أجهزة الانقلاب التصدي لها، مجرد المحاولة، ورفعت صور الرئيس الشرعي على مديريات الأمن ومخافر الشرطة!

وفي فترة الحراك الثوري، لم يكن بإمكان السلطة أن تفجر في المواجهة على النحو الذي عليه الآن، فإذا كانت قد أصدرت حكماً مرتبكاً بإعدام (500) فرد في جلسة واحدة، فقد كان حكماً للردع سرعان ما تراجعت عنه، وإذا كانت قد اعتقلت فتيات من قبل، فقد اضطرت مع الحراك الثوري أن تفرج عنهن، وآخر محاولة كانت في اعتصام ميدان المطرية في سنة 2015، عندما صدر من الاعتصام تحذير يمهل سلطة الانقلاب (24) ساعة للإفراج عن النساء المعتقلات، ففي ظرف ساعتين فقط تم الإفراج عنهن جميعاً، ومن كل أقسام الشرطة في طول القطر المصري وعرضه، وقبل أن تصدر التعليمات بفض الاعتصام من قبل "حكم المباراة"!

ليبقى السؤال: ما هي خطة هذا الحراك، وهل كان بلا خطة؟.. أم أن الوصول إلى الحالة الحالية كان هو المستهدف؟!

وهى حالة مؤلمة، لأنها لم تجهز فقط على مطالب هذا الحراك في عودة الشرعية، وما يتبعه من محاكمة القتلة، الذين استباحوا إرادة المصريين وحرماتهم، وإنما بالإضافة إلى هذا مكنت للانقلاب من أن يعصف بالثوار وينكل بهم، وسعيد الحظ، من كان داخل السجون، لأنه أفضل حالاً ممن تمكن من الهرب حتى توقف الحراك، وعاش هارباً داخل مصر!

في يومين متتالين، حدث أن أصدرت محكمة الجنايات حكماً بإحالة (11) معتقلاً إلى المفتي للتصديق على إعدامهم، كما تمت تصفية (10) من الشباب، فقد اتخذت السلطة قراراً بتصفية كل هارب، بدلاً من اختراع قضايا لهم، وإضاعة الوقت في المحاكمات، ومنحهم أملاً في البراءة، أو في الحياة!

ولم تعرف سلطة الانقلاب التصفيات الجماعية، إلا بعد تغييب الحراك الثوري قسرياً، وقبل هذا دخل الرئيس محمد مرسي إلى قاعة المحكمة معززاً مكرماً، لكن الآن أصبح أسير حرب، لدى قوم يفتقدون لأدنى قيم الإنسانية في التعامل مع أسراهم، واشتكى الرجل من أنه يتعرض للتنكيل به في السجن، فلا يُستمع له!

كان الحراك الثوري يحمي ظهور المعتقلين، فيسخر الشيخ حازم أبو إسماعيل أو صفوت حجازي مثلاً من المحكمة، لكن جميع المعتقلين الآن في أوضاع بائسة ويلتمسون من "عدالة المحكمة"، أن تحقق فيما يتعرضون له من تعذيب، فيكونوا كمن يصرخ في واد غير ذي زرع، أو ضرع!

وقبل تغييب الحراك الثوري بفعل فاعل، كانت سلطة الانقلاب تدغدغ المشاعر بين الحين والآخر، بحديث المصالحة، أما الآن فلا تجد هناك ما يمنع من دخول حرب استئصال تستولي فيها على الأموال وتزهق فيها الأنفس!

فمن أوصلنا إلى هذه الحالة؟!

من حسن الحظ أن الذين تصدروا المشهد الثوري بعد الانقلاب، كثير منهم أحياء يرزقون، فلا حرج من الحديث، ولا يمكن استخدام الاعتقالات ورقة للابتزاز ولإسكات المطالبين بالحساب، على العكس ممن قادوا المشهد بعد تولي الرئيس محمد مرسي الحكم!

القول الشائع أن وضع ما بعد الانقلاب مختلف عن بعد أيام ثورة يناير، إذ حالت التوجهات المدنية من العصف بالثوار، على عكس مما حدث بعد الانقلاب، لأن المشهد كان اسلامياً صرفاً، (اخوانيا للدقة)، وهؤلاء لا دية لهم، ولعل سؤالاً يطرح نفسه وما الذي جعله كذلك؟!

فهل كانت القيادة الإسلامية (المشتركة) قدراً، أما هي الرغبة في التحكم والسيطرة؟!

المؤكد أن الذين خرجوا ضد الانقلاب العسكري لم يكونوا كلهم من الاسلاميين، لكن كان هناك حرص على أن يصبح زمام الأمور بيد من قدموا أنفسهم مبكراً على أنهم (أصحاب الليلة)، فإن وجد غيرهم، فمن أجل الاستعمال اللحظي، كما حدث عندما تم اختيار الدكتور ثروت نافع رئيسا لبرلمان الثورة، واكتشف الرجل أن "عقدة الأمر" هناك، وهو أمر لابد أن تذكر تفاصيله، فأطرافه خارج السجن، كما لا ينبغي الخوف من شق الصف الثوري، لأنه لا يوجد صف ثوري أصلاً، وغاية المنى للآن في انقلاب داخلي يطيح بالسيسي، ويأتي "سادات" جديد، يفرج عن المعتقلين، ويعطي هامشاً من الحرية، يضيق ويتسع، ويتسع ويضيق، وقد صرنا خبراء في التعامل مع ذلك، في حين أننا نفتقد للخبرة، إذا وسد الأمر إلينا!

لقد صنع من "تحالف دعم الشرعية"، محمية طبيعية، يمنع الاقتراب، أو انشاء مؤسسات بديلة، وهو تحالف ضم أحزابا إسلامية، وآن الأوان لمحاسبة كل طرف فيه، عن هذه النتيجة المزرية التي أوصل الثورة إليها، والحساب لا ينبغي أن يستثني أيا ممن شاركوا في هذا التحالف، فهل كانوا أصحاب قرار فيه، أم أنهم ضحايا، وأن حضورهم كان لزوم ما يلزم في كل مؤتمر صحفي كان يعقد كل أسبوع!

ولا داع للتغطية على ذلك بحجة أن الحساب ينبغي أن يكون بعد نصر الله والفتح، ففي الحقيقة أن تأجيل الحساب بأي حجة، يكون للإفلات من المحاسبة، فهل تم التحقيق في الأخطاء المرتكبة في مرحلة التحالف بين الاخوان والعسكر بعد انقلاب سنة 1952، بعد أن عادت الجماعة للحياة في عهد الرئيس السادات وما بعده؟!

قد يكون ما جرى في عهد عبد الناصر شأن اخواني في الكثير من جوانبه، لكن الذي حدث الآن هو إضاعة ثورة شعب، واهدار لدماء في معركة لم يحسن فيها اختيار من يقودنها، فالقادة كان مطلوباً منهم أن يكونوا ثواراً بينما هم اصلاحيون!

وكثير ما سألت نفسي عندما أتذكر مشاهد سحل الفتيات من طالبات الأزهر على يد رجال الأمن في السنة الأولى للانقلاب، عن السر في الزج بهن في معركة غير متكافئة، ما دامت الحرب هي حرب تحريك، وليس المستهدف بها الحسم؟!.. ولن أقبل أن يقال إن هذا قرارهن منفرداً، لأنه في العام التالي، تم وقف الحراك الطلابي تماماً، وكأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس.. ولم يسمر بمكة سامر!

عظم الله أجركم!