قضايا وآراء

مسلمو الروهينجيا.. صرخات لا يسمعها أحد!!

1300x600
على مدار عقود طويلة، كان الموقف الدولي من مأساة المسلمين الروهينجيا مثالا صارخا على ازدواجية المعايير، حيث لم يتحرك أحد لصرخات هؤلاء المقهورين في إقليم أراكان في ميانمار (بورما) في جنوب شرق آسيا، وكأن الأمر طبيعي أن يتعرض هؤلاء البشر لما يتعرضون له من تطهير عرقي وقتل ممنهج وإهدار لأبسط حقوقهم في الحياة، ليعبر أحدهم عن ذلك قائلا إنهم يعاملوننا كالحيوانات بل نحن بلا حقوق!!

في بورما، ذلك البلد ذي الأغلبية البوذية والذي يبلغ تعداد سكانه ما يزيد عن 55 مليون نسمة ويمثل المسلمون نحو 15 في المئة، يقف المسلمون والعالم أجمع، بهيئاته الأممية ومنظماته الإنسانية، مكتوفي الأيدي إزاء ما يحدث لجماعة مسالمة من البشر تقهرها حكومة بوذية عسكرية عرقية؛ لا لشيء سوى أنهم مسلمون ومن عرقية مختلفة، رغم أن بورما فيها ما يزيد عن 140 عرقية، والمسلمون الذين يعرفون بالروهينجيا - بحسب الإحصائيات - يمثلون الطائفة الثانية بعد البورمان من حيث الكثافة، ويصل عددهم إلى أكثر من خمسة ملايين نسمة.

أراكان الدولة المسلمة

مالا يعرفه كثيرون أن إقليم أراكان عرف الإسلام في القرن السابع الميلادي، حتى أصبح دولة مسلمة مستقلة حكمها ثمانية وأربعون ملكا مسلما على التوالي، لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، بين عامي 1430 وحتى 1784 ميلادية. والآثار الإسلامية، من مساجد ومدارس وأربطة، ما زالت تشهد على ذلك العصر، وهي تلك الآثار التي أفلتت من التدمير والإفساد الذي قام به الملك البوذي البورمي (بودباي) الذي احتل إقليم أراكان وقتل العلماء والدعاة المسلمين واضطهد المسلمين وشجع البوذيين الماغ على نهب خيراتهم، وليستمر ذلك على مدار أربعين سنة انتهت بمجيء الاحتلال البريطاني الذي ظل لعقود؛ تعرض خلالها المسلمون لصنوف شتى من التنكيل، كان من بينها تلك المذبحة الكبرى والبشعة في عام 1942؛ التي قام بها البوذيون الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمدادات والذخائر الحية من قبل البورميين واليابانيين بعد سحب كل سلاح من المسلمين، بما في ذلك الأسلحة البيضاء والسكاكين، حتى لا يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، في ظل غض الطرف والتواطؤ البريطاني، ليذهب ضحية هذه المذبحة أكثر من 100 ألف روهينجي، معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وتشرد ما يزيد عن نصف مليون مسلم روهينجي خارج بلادههم. وقد كان ذلك سببا لترجيح كفة البوذيين الماغ ومقدمة لما حدث ويحدث بعد ذلك، وحتى اللحظة، في حق المسلمين الروهينجيا؛ من انتهاكات واضطهاد غير مسبوق. 

أين العرب والمسلمون؟

تاريخ من الانتهاكات وغياب الإنسانية وحقوق الإنسان؛ يصفع وجه العالم المتشدق بالشعارات التي لا يُوجد لها أثر على أرض الواقع تجاه مسلمين في جنوب شرق آسيا. لكن الأشد إيلاما هو ذلك الغياب غير المبرر لدول العالم الإسلامي والعربي، ليصبح نداء المسلمين في أراكان أين المسلمون؟ اللهم إلا من مواقف محمودة لكل من جمهورية تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، كما قام من قبل رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داوود أوغلو بزيارة لمسلمي الروهينجيا، ومن بعده مولود جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا، مما ساهم بدون شك في توجيه الأنظار للمسلمين هناك.. كذلك دولة ماليزيا التي تقوم بجهود محمودة في هذا الاتجاه مما ساهم في حفظ ماء وجه الأمة الإسلامية الذي أريق على أعتاب انتهاكات حقوق المسلمين في بورما، غير أن ذلك لم يقف حائلا تجاه تجديد الحكومة البوذية العسكرية الطائفية لحملاتها ضد مسلمي الروهينجيا الذين وصفتهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر أهل الأرض بؤسا وأكثرهم تعرضا للانتهاكات.
 
حقيقة المشهد في أراكان

إن كثيرين لا يعرفون حقيقة المشهد في بورما وما يتعرض له مسلمو الروهينجيا في أراكان، فمن حين لآخر تتناقل وسائل الإعلام الغربية صورا صادمة لما يحدث لهم، وقد ساهمت قناة الجزيرة تحديدا في تسليط الضوء، وتعريف العرب والمسلمين والعالم بمأساة إخوة لهم في الدين والعقيدة؛ تركهم العالم ليُستباح وجودهم على يد حكومة عسكرية طائفية في بورما.

 لقد كان البعض يأمل بحدوث تغيير في أحوال المسلمين الروهينجيا بعد قدوم أونج سو تشي، زعيمة حزب الرابطة من أجل الديمقراطية، والمدعومة غربيا والتي يعتبرها الغرب قديسة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، وفوز حزبها في الانتخابات في 2015، لكن هذه الآمال تبين أنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حيث تصاعدت الانتهاكات ضد المسلمين ولزمت الصمت السيدة سوتشي التي قيل إنها حصلت على نوبل لدفاعها عن المظلومين!

إن الأمم المتحدة لا يسمع أحدٌ لها صوتا ومعها القوى الكبرى التي تدعم حكومة ميانمار إلا عندما يهب نفر من هؤلاء المسلمين المستضعفين للدفاع عن أنفسهم ضد تغول البوذيين الماغ الذين استباحوا أعراض المسلمين ودماءهم وأموالهم، فنجد الدعوات لوقف العنف بين الطرفين تتصدر التصريحات، رغم أن العنف هو من طرف واحد هو الحكومة البوذية؛ مدججة بكافة أنواع الأسلحة البرية والجوية في تغفيل واضح ومقصود للحقيقة يساوي بين الجلاد والضحية، ويستنكر على الضحية عدم استمرار استسلامها للجلاد ليستكمل الإجهاز عليها.

إن ما يحدث حقيقة مع مسلمي الروهينجيا أن هناك شعبا يباد في جنوب شرق آسيا، بينما العالم يتفرج. ولا يحدث ذلك قط إلا عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، فصرخات مسلمي الروهنجيا منذ عقود لا يسمعها أحد.