أصبح الباجي قايد السبسي شخصية مربكة للكثيرين وبالأخص حركة النهضة وقيادتها. فتصريحاته الأخيرة شكلت صدمة للشيخ راشد الغنوشي وللكوادر القريبة منه وجعلتهم يتساءلون هل غير الرجل موقفه منهم، وهل يفكر في فسخ العقد السياسي الضمني الذي ربطه بهم طيلة السنوات الثلاث الأخيرة. لقد فاجأهم الرجل الأول في الدولة بقوله أن التحالف مع النهضة فرضته نتائج الانتخابات التي لم تمكّن حزب النداء من الأغلبية التي تجعله يشكل الحكومة بمفرده. ثم أضاف " النهضة قبلت التحالف ولكن ليس بشروطها، مع أمل المساهمة في جلبها إلى خانة ''المدنية'' ولكن ''يبدو أنّنا أخطأنا التقييم".
هذا ما ورد في نص الحوار الذي أجرته معه جريدة الصحافة الناطقة باسم الحكومة بتاريخ 6 سبتمبر 2017 أي خلال الأسبوع الماضي. وهو ما جعل المراقبين يتساءلون عن الأسباب التي دفعته إلى توجيه هذه الصفعة القوية إلى حليف أساسي في الحكم. أي ما الذي دفعه ليجدد الهجوم على شريكه السياسي الأول ويشير إليه ضمنيا بالقول "كان يسعى على الدوام إلى شكل من أشكال الردة المجتمعية "، وذلك بالرغم من مختلف التنازلات والمواقف الإيجابية التي أقدمت عليها حركة النهضة، خاصة بعد أن قررت خوض تجربة التوافق السياسي مع خصومها السابقين.
هذا الموقف الذي أعلن عنه السبسي ليس جديدا، إذ سبق له أن عبر عنه بصيغ مختلفة في تصريحات سابقة له، لكنه في هذه المرة بدا أكثر جزما ووضوحا في تعبيره عن خيبة أمله في حركة النهضة وقيادتها.
ما يمكن تسجيله في هذا السياق أن العلاقة بين السبسي والغنوشي فقدت شيئا من بريقها وصفائها مقارنة بما كانت عليه من قبل. ويعود ذلك إلى وجود تيار داخل حركة النهضة يزداد قوة وحضورا، وهذا التيار لم يعد يخفي اعتقاده بأنه قد حان الوقت لتقييم التحالف مع حزب نداء تونس ومراجعة أسسه وكذلك الشأن بالنسبة لرئاسة الجمهورية ، وذلك بسبب اتساع رقعة الخلافات مع هذا الشريك حول عدد من المسائل الأساسية، إضافة إلى الكلفة السياسية الباهضة التي أصبحت تدفعها حركة النهضة نتيجة بقائها داخل أجهزة الحكم دون أن يترتب عن ذلك معالجة فعلية للمشكلات القائمة في البلاد، وهو ما خلق حالة غضب ويأس في صفوف المواطنين.
عندما قبل السبسي بصفته رئيسا للجمهورية أن يفتتح المؤتمر الأخير لحركة النهضة ذكر فيما بعد أن تلك الخطوة التي لم يكررها مع أي حزب آخر، كان الهدف منها تشجيع الحركة على أن تنتقل إلى حزب مدني تونسي مائة بالمائة. وهذا كان رهانه منذ أن تولى رئاسة الوزراء بعد أشهر قليلة من وقوع الثورة. وكرر في مناسبات عديدة ما دار بينه وبين الرئيس الأمريكي أوباما في أول لقاء يجمعه به، وكذلك الشأن في لقاءات أخرى جمعته أيضا بقادة أوربا أن دافع بقوة وحماس على أن الحركة الإسلامية التونسية مختلفة عن بقية حركات الإسلام السياسي بالمشرق العربي، وهو ما جعله مؤمنا بأنه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية.
ما حصل في الفترة الأخيرة جعل السبسي يعود إلى هواجسه السابقة، ويتساءل من جديد : هل غيرت حقا حركة النهضة من رؤيتها للسياسة والدولة والمجتمع التونسي أم أن ما تردده قيادتها ليس سوى قناع يخفي وجهها الحقيقي باعتبارها "حركة دينية"؟.
تلقى السبسي ولا يزال هجمات قوية من قبل الأوساط الدينية التي يفترض أن تكون قريبة من حركة النهضة رغم غياب علاقات تنظيمية واضحة بين الطرفين. حصل ذلك بسبب خطابه الشهير يوم 13 أوت والذي أعلن فيه الدعوة إلى إقرار المساواة في الإرث بين الذكور والإناث. وهي المناسبة التي غاب عنها الغنوشي، والتي اهتزت بعدها البلاد وأثارت جدلا عاصفا لم يهدأ نهائيا حتى الآن. ورغم أن قيادة النهضة تجنبت الدخول في أي إشكال مع رئيس الجمهورية حول هذه المسألة، وأصدرت بيانا هادئا ابتعدت فيه عن كل ما من شأنه أن يفهم منه انتقاد ما للسبسي، إلا أن هذا الأخير رأى في موقف الحركة دليلا على عدم تحمل الغنوشي لمسؤوليته السياسية عندما لم يتصد بوضوح للذين شنوا حملة شرسة ضده، ولم يعلن موقفه بشكل علني من مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث، وهو ما جعله يقتنع بأن النهضة بقيت حركة دينية ولم تتحول إلى حزب سياسي مدني.
إنه خلاف فكري وسياسي في العمق، لكن مع ذلك يؤكد المقربون من الشيخ الغنوشي أنه لا يزال حريصا على حماية العلاقة الاستثنائية التي ربطته برئيس الجمهورية، وأن ما عبر عنه من أفكار ومواقف هي قناعات حقيقة تعكس تطورا جديا في رؤيته للدين والسياسة، وأنه لا يزال يدافع عن السبسي داخل أوساط الحركة بقوله " الرجل لم يخن النهضة ولم يخن البلاد". وأنه لا توجد معه خلافات عقائدية أو سياسية حول التوجه الديمقراطية للتجربة التونسية. لكن هل يكفي ذلك لإقناع عموم الإسلاميين بأن السبسي هو رئيس جميع التونسيين؟ وأن العلاقة به والثقة فيه يمثلان ضمانة رئيسية للحيلولة دون انتكاسة خطيرة قد تعيد تلك الأجواء القاتمة التي كانت تخيم على البلاد طيلة مرحلة ما قبل الثورة؟.
هذه ليست سوى جزء من أسئلة حارقة لا يمكن القفز عليها بسهولة.
هذا ما ورد في نص الحوار الذي أجرته معه جريدة الصحافة الناطقة باسم الحكومة بتاريخ 6 سبتمبر 2017 أي خلال الأسبوع الماضي. وهو ما جعل المراقبين يتساءلون عن الأسباب التي دفعته إلى توجيه هذه الصفعة القوية إلى حليف أساسي في الحكم. أي ما الذي دفعه ليجدد الهجوم على شريكه السياسي الأول ويشير إليه ضمنيا بالقول "كان يسعى على الدوام إلى شكل من أشكال الردة المجتمعية "، وذلك بالرغم من مختلف التنازلات والمواقف الإيجابية التي أقدمت عليها حركة النهضة، خاصة بعد أن قررت خوض تجربة التوافق السياسي مع خصومها السابقين.
هذا الموقف الذي أعلن عنه السبسي ليس جديدا، إذ سبق له أن عبر عنه بصيغ مختلفة في تصريحات سابقة له، لكنه في هذه المرة بدا أكثر جزما ووضوحا في تعبيره عن خيبة أمله في حركة النهضة وقيادتها.
ما يمكن تسجيله في هذا السياق أن العلاقة بين السبسي والغنوشي فقدت شيئا من بريقها وصفائها مقارنة بما كانت عليه من قبل. ويعود ذلك إلى وجود تيار داخل حركة النهضة يزداد قوة وحضورا، وهذا التيار لم يعد يخفي اعتقاده بأنه قد حان الوقت لتقييم التحالف مع حزب نداء تونس ومراجعة أسسه وكذلك الشأن بالنسبة لرئاسة الجمهورية ، وذلك بسبب اتساع رقعة الخلافات مع هذا الشريك حول عدد من المسائل الأساسية، إضافة إلى الكلفة السياسية الباهضة التي أصبحت تدفعها حركة النهضة نتيجة بقائها داخل أجهزة الحكم دون أن يترتب عن ذلك معالجة فعلية للمشكلات القائمة في البلاد، وهو ما خلق حالة غضب ويأس في صفوف المواطنين.
عندما قبل السبسي بصفته رئيسا للجمهورية أن يفتتح المؤتمر الأخير لحركة النهضة ذكر فيما بعد أن تلك الخطوة التي لم يكررها مع أي حزب آخر، كان الهدف منها تشجيع الحركة على أن تنتقل إلى حزب مدني تونسي مائة بالمائة. وهذا كان رهانه منذ أن تولى رئاسة الوزراء بعد أشهر قليلة من وقوع الثورة. وكرر في مناسبات عديدة ما دار بينه وبين الرئيس الأمريكي أوباما في أول لقاء يجمعه به، وكذلك الشأن في لقاءات أخرى جمعته أيضا بقادة أوربا أن دافع بقوة وحماس على أن الحركة الإسلامية التونسية مختلفة عن بقية حركات الإسلام السياسي بالمشرق العربي، وهو ما جعله مؤمنا بأنه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية.
ما حصل في الفترة الأخيرة جعل السبسي يعود إلى هواجسه السابقة، ويتساءل من جديد : هل غيرت حقا حركة النهضة من رؤيتها للسياسة والدولة والمجتمع التونسي أم أن ما تردده قيادتها ليس سوى قناع يخفي وجهها الحقيقي باعتبارها "حركة دينية"؟.
تلقى السبسي ولا يزال هجمات قوية من قبل الأوساط الدينية التي يفترض أن تكون قريبة من حركة النهضة رغم غياب علاقات تنظيمية واضحة بين الطرفين. حصل ذلك بسبب خطابه الشهير يوم 13 أوت والذي أعلن فيه الدعوة إلى إقرار المساواة في الإرث بين الذكور والإناث. وهي المناسبة التي غاب عنها الغنوشي، والتي اهتزت بعدها البلاد وأثارت جدلا عاصفا لم يهدأ نهائيا حتى الآن. ورغم أن قيادة النهضة تجنبت الدخول في أي إشكال مع رئيس الجمهورية حول هذه المسألة، وأصدرت بيانا هادئا ابتعدت فيه عن كل ما من شأنه أن يفهم منه انتقاد ما للسبسي، إلا أن هذا الأخير رأى في موقف الحركة دليلا على عدم تحمل الغنوشي لمسؤوليته السياسية عندما لم يتصد بوضوح للذين شنوا حملة شرسة ضده، ولم يعلن موقفه بشكل علني من مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث، وهو ما جعله يقتنع بأن النهضة بقيت حركة دينية ولم تتحول إلى حزب سياسي مدني.
إنه خلاف فكري وسياسي في العمق، لكن مع ذلك يؤكد المقربون من الشيخ الغنوشي أنه لا يزال حريصا على حماية العلاقة الاستثنائية التي ربطته برئيس الجمهورية، وأن ما عبر عنه من أفكار ومواقف هي قناعات حقيقة تعكس تطورا جديا في رؤيته للدين والسياسة، وأنه لا يزال يدافع عن السبسي داخل أوساط الحركة بقوله " الرجل لم يخن النهضة ولم يخن البلاد". وأنه لا توجد معه خلافات عقائدية أو سياسية حول التوجه الديمقراطية للتجربة التونسية. لكن هل يكفي ذلك لإقناع عموم الإسلاميين بأن السبسي هو رئيس جميع التونسيين؟ وأن العلاقة به والثقة فيه يمثلان ضمانة رئيسية للحيلولة دون انتكاسة خطيرة قد تعيد تلك الأجواء القاتمة التي كانت تخيم على البلاد طيلة مرحلة ما قبل الثورة؟.
هذه ليست سوى جزء من أسئلة حارقة لا يمكن القفز عليها بسهولة.
شارك
المزيد من هذا الكاتب
