كتاب عربي 21

هل لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي أداة للتغيير الإيجابي؟

1300x600
قبل حوالي سبعة أعوام، تمّ تقديم وسائل التواصل الاجتماعي ولاسيما "فيسبوك" و "تويتر" على أنها أدوات في أيدي الشعوب المقهورة للتعبير عن التغيير المنشود في مجتمعاتهم وأنظمتهم السياسية. وقد شكّلت هذه الوسائل متنفّساً للمجتمعات التي تعيش في بيئة مغلقة فرضتها عليها الأنظمة ما أدى إلى إقبال كثيف على استخدامها نظرا لافتقاد الأفراد والجماعات في هذه المجتمعات لأي نافذة من نوافذ التعبير عن الرأي أو حتى التنفيس عن الاحتقان. 

ثمة من ذهب أبعد من ذلك بكثير ليقول بأنّ أدوات التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى أسلحة لقيادة التغيير الحقيقي على الأرض لاسيما مع اندلاع الثورات العربية، إذ أنّها ولّدت ما يكفي من تفاعل أتاح الانتقال من الواقع الافتراضي إلى أرض الواقع، فكان لها الفضل الأول في الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية الفاسدة.

بغض النظر عن مدى دقّة مثل هذا التقييم، كان يمكن ملاحظة أن الفرد والجماعة استغلت أدوات التواصل الاجتماعي بشكل سريع في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة غائبة عن هذا المضمار الجديد، فالفرد أسرع من الدولة بطبيعة الحال، لكن الأخطر بالنسبة إلى الدولة أنّها لم تكن قادرة بعد على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة فضلا عن السيطرة عليها. وفي تلك المرحلة أيضاً، قيل إن وسائل التواصل الاجتماعي ستضع حدا لبطش الأنظمة، إذ لم يعد بإمكانها التصرف كما لو انّه ليس هناك من يراقبها في العالم، وأنّه سيكون هناك تكاليف لتصرفاتها غير القانونية. 

هل لا يزال الأمر على حاله؟ لست متخصصا بطبيعة الحال في هذا المضمار (وسائل التواصل الاجتماعي) لكن هناك ما يكفي من أدّلة للقول باقتناع كامل بأنه لم يعد كذلك على الإطلاق. فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة كذلك للأنظمة، تستخدمها لتحقيق أهدافها الخاصة سواءً لناحية السيطرة على الجموع أو لناحية استخدام المؤثرين فيها لمصلحتها أو لناحية تحييدهم أو عزلهم أو استهدافهم في هويتهم الالكترونية أو حتى في أجسادهم.

النهم الموجود لدى الدولة للسيطرة على هذه المجالات الافتراضية التي كانت تعتبر حتى وقت قصير بأنّها خارج سيطرة الدولة سرّع من عملية إخضاعها لها خاصة في ظل الحرب على الإرهاب.  وهناك أمثلة كثيرة أيضاً على بطلان أسطورة أنّه لم يعد بالإمكان للأنظمة القمعية أن تقمع دون أن يتم محاسبتها عندما يتم نقل الصورة والفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مئات الملايين من البشر.

خلال السنوات الماضية، عقدت الكثير من الاجتماعات الرسمية الرفيعة المستوى للدول المنخرطة في التحالف الدولي ضد داعش، وقد شارك في هذه الاجتماعات ممثلون عن وسائل التواصل (تويتر وفيسبوك وغيرها) وكذلك ممثلون عن دول عربية أخذت على عاتقها محاربة "التطرف" و"الإرهاب" في المجال العام والالكتروني.

بعض الدول العربية اقترحت استخدام المؤسسات الدينية والمشايخ لمكافحة التطرف، والبعض الآخر أقترح  افتتاح مراكز لمكافحة الإرهاب وتمويل أخرى ، كما طرح البعض استخدام الفاعلين والمؤثرين في المجال العام بمختلف أشكاله (كتّاب، مثقفين، باحثين...الخ) لمحاربة ما سموه الأفكار المتطرفة. في هذه الاجتماعات، طُلب من ممثلي وسائل التواصل الاجتماعي اعتماد شفافية أكبر والاستجابة السريعة لمكافحة التطرف والإرهاب في المجال الالكتروني واعتماد معايير أكثر تشدداً في تعريفهم وعزلهم ومحاربة فكرهم ووسائل الترويج له.

وكما أصبح معلوما، فان حجم جمع المعلومات عن المستخدم في وسائل التواصل الاجتماعي وعن فحوى ما يقوم به أو يغرد به أو يعلق عليه باستخدام هذه الوسائل أصبح كبيرا جدا وأكثر دقة لناحية تحديد المكان والشكل والمضمون. ليس هذا فقط، بل أصبح هناك أدوات لتحليل المضمون وللتصنيف وللتعرف على ميول الشخص أو انتماءاته أو ربما للتعرف على ما يحب وما يكره أو ما يتصفح أكثر، وكذلك على أقاربه وأصدقائه بحيث أصبح ذلك يشكّل تهديداً للمستخدم نفسه خاصة عندما يتم إتاحة هذا الكم من المعلومات بطريقة أو بأخرى إلى السلطات لاسيما في العالم العربي المتخلف حيث تكون في الغالب عدواً  للفرد والمجتمع.

وبهذا المعنى، لم يعد بالإمكان الحديث عن وسائل التواصل الاجتماع كأداة للتغيير بالشكل الذي كان عليه الأمر قبل 7 سنوات، فأصبح المستخدم معروفا وكذلك مكانه وانتماؤه وأفكاره وربما يتم إسكاته في واقعه الافتراضي قبل تجاوزه الحدود إلى أرض الواقع. في بعض الحالات ربما يتم إسكات أو قمع التطرف، لكن من قال إن المعيار لدى هذه الشركات واحد؟ وما هو المعيار الذي تعتمده أصلا؟ أما بالنسبة إلى الأنظمة، فقد أصبح للتطرف معنى آخر وللإرهاب كذلك، وهو أمر نسبي في كل دولة.

ثمة من يشكك اليوم كذلك بحيادية القيّمين على وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمات السياسية التي تجري حول العالم، وبانحيازهم إلى أجندات سياسيّة، وإذا ما صح ذلك فهذا يعني أنّ هذه الأدوات باتت تستخدم بعكس ما تمّ الترويج له عند إنشائها، وهذا ما قد نتحدث عنه لاحقا.