مسكين "أنطونيو غوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة فهو "قلق جدا" إزاء تقارير تتحدث عن تجاوزات (والوصف من عنده) تكون قد ارتكبتها قوات الأمن في ولاية راخين بميانمار، حيث ينتشر مسلمو الروهينغا!
غوتيريش طالب الجميع "مساويا بين القاتل والقتيل" بـ"ضبط النفس"، وربما في دعوته تلك، ما يدعو للأسى من الوضع الذي وصلت إليه هذه المنظمة البائسة المسمّاة "أمم متحدة"، التي بات لا أحد يعول عليها أو يتوقع تدخلها بشكل عادل أو إنساني، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسلمين.
والواقع أن هذا ليس حال "غوتيريش" وحده، بل كل من سبقه في هذا المنصب، لم يجد من ردود الفعل سوى التنديد والدعوة لضبط النفس والتعقل، وفي هذا الصدد، يروي محمد الدوري، وهو السفير الأسبق للعراق ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة خلال فترة العدوان على بغداد، كيف كان كوفي عنان يبدو "عاجزا" و"منهارا" أمام تسارع الأحداث، يقول الدوري: عنان كان رجلا محترما ومستمعا جيدا للعراقيين، بل كان أكثر رقيا في موقفه حتى من العميل الأمريكي محمد البرادعي ورفيقه هانس بليكس، لكن بعد قصف العراق، طلبت مقابلته فدعاني لمكتبه، وهناك ألححت عليه في أمر واحد وهو ضرورة إرسال مساعدات إنسانية للعراقيين، حينها، سكت كوفي عنان، جلس على أريكته وقال لي دون النظر في وجهي: "لا نستطيع، حتى المساعدات الإنسانية لا نستطيع تقديمها"!
لكن ما يستفز أكثر، وربما أكثر حتى من هذا العجز الأممي، طرح البعض سؤال: أين هم المسلمون؟ والواقع أن هؤلاء باتوا منشغلين بصفقة نايمار أكثر مما يحدث في ميانمار!
ولمن يسأل عن تلك المنظمة البائسة المسماة منظمة التعاون الإسلامي، فعليه أن يبحث في طريقة إقالة مسؤولها السعودي السابق، حيث تم طرده أمام الملأ، بسبب نكتة قالها في حاكم عربي، فكيف يمكن له أن يكون حرا ويدافع عن المسلمين في العالم، وهو لا يستطيع أن يقول نكتة!
المسلمون منشغلون بذبح بعضهم البعض، فقد تعودوا على الإبادة، والمحارق الجماعية، لذلك لم ولن يشعروا بمأساة الروهينغا، وليس غريبا أن يقولها صراحة، ضيف صهيوني استضافته قناة الجزيرة قبل يومين، حين سأله الصحفي عن دور إسرائيل في مآسي العرب والمسلمين، فرد ساخرا "كان يمكن أن أصدقك سابقا بخصوص وجود يد إسرائيلية، لكن اليوم، نحن سعداء جدا في بيوتنا، نبحث عن الأمن ونتفرج على العرب والمسلمين وهم يذبحون بعضهم البعض"!
الوحيد الذي تحرك بشكل إيجابي حتى الآن، وقولوا عنه ما تقولون، سواء قلتم إنه يبحث عن استعادة الخلافة أو حتى يريد استغلال الموقف، هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فعلى الأقل، تكفل بكل مصاريف اللاجئين والهاربين من جحيم القتل والحرق والذبح والاغتصاب، قائلا لحكومة بنغلاديش: افتحوا الحدود وأنا سأتكفل بهم وأنقلهم لتركيا!
القضية لا ترتبط فقط بالمنظمات المفلسة ولا بالحكومات المتواطئة، وإنما ترتبط أيضا بسلبية الشارع العربي والإسلامي عموما، فهذا الأخير لم يعد يذرف الدموع سوى عبر تويتر والفايسبوك ولا يشعر بالقضية أو يتضامن معها سوى عبر "الهاشتاغات" الافتراضية!
"الروهينغا" ليسوا الجرح الأول ولن يكون الأخير، ولعل الوقت بات مناسبا لنتخلى عن صفة الصمت القاتل والمتخاذل لنغيرها بصفة المشاركة في الجريمة، فالأمر الجلل الذي يدعو فتاة مسلمة لوضع إشارة حمراء على جبهتها حتى يعتقد القتلة أنها بوذية فتنجو من الاغتصاب والقتل، هي فتاة لم تكفر بالإسلام كما يزعم البعض، وإنما كفرت بالمسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم!
الشروق الجزائرية