في تغريدة له صباح يوم الإثنين 4سبتمبر 2017 كتب الإعلامي ومنتج الأفلام الوثائقية المعروف أسعد طه ( لدي سؤال محرج : لماذا تفاعل العالم الإسلامي مع مأساة البوسنة كان أكثر بكثير مع تفاعله مع مأساة الروهينجا؟) وهو سؤال مشروع أجد في هذا المقال فرصة لتحليل بعض ما أراه من أسباب تقف دون انتشار التعاطف مع قضايا المسلمين عموما وليس الروهينجا فقط .
في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملة عالمية استهدفت منابع التعاطف والدعم مع قضايا المسلمين وكان الهدف الأول الذي وضعته أمريكا نصب عينيها هو هيئات وجمعيات الإغاثة الإنسانية بشكل عام وبدأت خطتها بإغلاق هذه المؤسسات أو تأميمها بمعنى جعلها كلها تحت مظلة واحدة في كل بلد . فعلى سبيل المثال قامت الإمارات بوضع كافة المؤسسات الخيرية والاغاثية تحت سيطرة وهيمنة الهلال الأحمر التابع للدولة وضغطت وبكل قوة على العاملين في المؤسسات الخيرية وهددت قادتها بالسجن والعزل الوظيفي أو السجن إذا لم يتخلوا عن العمل الاغاثي غير الرسمي ، وكذا الحال في مصر حيث هاجمت السلطة لجنة الإغاثة الإنسانية التابعة لنقابة أطباء مصر وهكذا فعلت وقامت بتصدير سوزان مبارك والهلال الأحمر كواجهة وحيدة للعمل الإغاثي في محاولة منها لتعزيز قبضتها على العمل الإغاثي .
أما في السعودية فتم إغلاق أو بكلمة أرق تحجيم كبريات المؤسسات الإغاثية وعلى رأسها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والتي بلغت ميزانيتها (حجم التبرعات ) مليارات الريالات وقد تولت المخابرات والأجهزة الأمنية مسؤولية تصفيتها رغم أنها مؤسسة بلا هوية أو أيديولوجية . أما المؤسسات التي كانت تسمى مؤدلجة فقد تم القضاء عليها وتحويلها إلى مؤسسات محلية أو اغلاقها واعتقال العاملين فيها .
وهكذا سارت الأمور فتم ارهاب الناس وتصوير العمل الإغاثي على أنه الحديقة الخلفية للإرهاب واختلقت قصص كبيرة وقامت أمريكا بوضع أسماء علماء ومشايخ من الخليج على قوائم الإرهاب وقد تمت تبرئتهم لاحقا من قبل الأمم المتحدة وبعض هؤلاء كان من رموز التيار السلفي في بعض دول الخليج .
كانت هذه هي الخطة الرئيسية وهي تجفيف المنابع المالية والتي كانت تقوم بدور اغاثي وخيري ودعوي وانتهى الأمر إلى أن أمريكا حذرت السعودية من الانفاق على المساجد والمراكز الإسلامية في أوربا وأمريكا ذاتها ، لا بل وصل الأمر إلى أن منع توزيع المصاحف التي كانت تطبع على نفقة المملكة في بعض تلك البلدان .
ثم صدرت الأوامر العسكرية والملكية لشيوخ المساجد وحتى المسجد الحرام بعدم الاتيان على ذكر مآسي المسلمين وعدم الدعاء على الظالمين ولا التعاطف مع المسلمين في أي مكان إلا حينما تريد السلطة استغلال الأمر سياسيا كما الحال في موضوع افغانستان والبوسنة والهرسك مثلا ، وهذا بالطبع كان له أثره السئ على التعريف بالقضايا والتعاطف معها ، ناهيك عما ترسخ في الأذهان أن الشيوخ يعرفون ما لا يعرف العوام وبالتالي إذا كان شيخ وخطيب المسجد الحرام لم يتعاطى مع قضايا المسلمين فمن ذا الذي بمقدوره أن يفعل .
ثم كانت خطوة خطيرة وفي رأيي هي الأهم في ضعف التعاطف مع قضايا المسلمين وهي تحجيم ومحاولة القضاء على الاخوان المسلمين والإسلام السياسي بشكل عام وهو المحرك الرئيس للشارع العربي والإسلامي عبر وسائل اتصالية الجماهيرية غير التقليدية وعبر منابره السياسية والنقابية ووسائل اعلامه على محدوديتها وانتشاره الواسع في عدد غير قليل من العالم شرقه وغربه ، وكان يكفي في هذا المضمار أن تصدر الإخوان المسلمين بيانا وتعلن عن مظاهرة للتعاطف مع البوسنة أو كوسوفا أو العراق أو فلسطين حتى تبادر السلطة في مصر أو الأردن بتبني القضية ورفع سقف المطالب .
أما اليوم فإن دولة الكيان الصهيوني هي التي تضغط على السلطة الحاكمة في معظم البلدان للضغط على الشعوب حتى لا تنتفض من أجل القدس وليس الروهينجا .
في نفس الوقت قام السيسي باعتقال الطلبة الصينيين المسلمين الذين يدرسون في القاهرة وتسليمهم للصين لتقوم باعتقالهم ومحاكمتهم إن لم تقم بالتخلص منهم ، وقامت سلطته بتأميم كافة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية وحرمت على البقية أي عمل انساني خارج حدود البلاد.
أضف إلى ما سبق ما يحدث اليوم وأصبح حديثا مألوفا عن علمنة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة ، فقد أصبح حديث العلمنة أمرا عاديا وفقدت السعودية أهم أوراقها القوية كدولة على الأقل ترفع شعار التوحيد وتدافع عن العقيدة وتتبنى قضايا المسلمين وبالتالي اصبح الخوف ليس على ضياع حقوق مسلمي الصين ولا ميانمار بل ضياع بلاد الحرمين وتحويلها إلى دولة علمانية لا علاقة لها بقضايا المسلمين ولا همومهم ، وربما وللأسف تقف بعض وسائل إعلامها اليوم ضد المستضعفين في بورما كما فعلت قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط إذ كانت تغطيتهما في منتهى السوء حين ساوت بين الضحية والقاتل .
لقد انقلبت المعادلة وتغيرت موازين القوى وأصبح الاسلام والمسلمين لقمة سائغة بعد أن فقدوا الظهير الشعبي لهم في بلد كبير بحجم مصر ، وبعد أن فقدوا منصة المسجد الحرام التي كانت يوما ما تتبنى قضاياهم ولو بالدعاء وتثير عاطفة المسلمين وتدفعهم للتعاطف والتبرع وإن لم تدفعهم للتظاهر .
هذا ليس كل شئ وليست كل الأسباب لضعف التعاطف والتحرك لإنقاذ مسلمي ميانمار ، ولكن يبقى أن أن تحرك تركيا كان الأكثر تميزا وربما هذا هو سبب حنق المنبطحين على تركيا والسلطة الحاكمة فيها .