مقالات مختارة

صدمة المعونة ونهاية شهر العسل

1300x600
لم يدم شهر العسل طويلا بعد أن ظنوا هنا أنه شيك على بياض لتحويل الكراهية الكامنة في النفوس للحريات الصحفية والسياسية والمعارضة والدستور إلى واقع معلن لا يخشون أحدا لتطبيقه عمليا.

في نيسان/ أبريل الماضي، التقى الرئيسان السيسي وترامب في البيت الأبيض حيث أظهر الثاني ودا غير مسبوق من الرؤساء الأمريكيين تجاه نظرائهم المصريين، فقد مدح سياساته ولم يأت في البيان الختامي على ذكر حقوق الإنسان، وهو الملف الذي كان دائما عرضة لانتقادات دوائر صناعة القرار والإعلام والكونجرس في الولايات المتحدة طيلة العقود الماضية.

هنا استقبل الإعلام ذلك بالتهليل والتكبير. وهنا قرأوا تصريحات ترامب وضحكاته ونكاته التي وصلت إلى حد الإعجاب بحذاء السيسي، على أنه نهاية الاهتمام الأمريكي ومن ثم الغربي بالإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبداية لعصر جديد يداس فيه على تلك القيم بالحذاء فلا تقشعر أبدان واشنطن ولندن ودول الاتحاد الأوروبي.

لم يمض شهران حتى وقع السيسي على قانون جديد للمنظمات غير الحكومية أثار احتجاج العاملين في تلك المنظمات، لدرجة أنهم قالوا إنه يغلق عملهم بالضبة والمفتاح. في العواصم الغربية جاءت ردود الفعل عنيفة بالمقدار نفسه وربما أكثر، لكننا لم نعط الأمر اهتماما ما دام ترامب هو الصديق الأكبر.

جاء ترامب إلى الشرق الأوسط في زيارة غريبة أفرزت نتائج كارثية. ركزت على ما سيعود به من أموال لعلاج مشاكل بلاده الاقتصادية ومكافحة البطالة، نجح في ذلك مخلفا وراءه أزمة خليجية عاصفة غير مسبوقة، فظننا أن الرياح تجري بما تشتهي سفننا.  

هذا لم يكن حقيقة على الإطلاق، لكنها قراءة خاطئة تسرعنا في تطبيقها بحجب عشرات المواقع، بعضها لا يشتغل في السياسة بل كرة القدم أو الاقتصاد، منها المقربة من الحكم ونشر فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي مقالا أو مقالين مثل "ديلي نيوز، ومنها ما يحظى بثقة دوائر الأعمال المقربة من صانع القرار مثل جريدة "البورصة" المتخصصة في المال والبزنس.

الأكثر هو ظن أولي الأمر أن خصومة ترامب للشبكات الإخبارية والصحف النافذة في الولايات المتحدة تجعل مشوارنا أبيض كالحليب في خصومة مشابهة. لم ننتبه أبدا إلى أنه رئيس بدرجة موظف وأنه لا يستطيع أن يفعل أكثر من تغريدة غاضبة على تويتر، فصلاحياته لا تزيد على 2% من صلاحيات الكونجرس، وأنه يسمع فيطيع وليس الآمر الناهي الذي تأتي منه التوجيهات العليا.

لهذا كانت صدمتنا كبيرة عندما أعلنت الخارجية الأمرييكية تخفيض المساعدات الاقتصادية ضمن المعونة السنوية، التي نتلقاها والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل، وتعليق جزء من المساعدات العسكرية حتى 30 أيلول/سبتمبر القادم نهاية السنة المالية عندهم، وربطها بالتحسن الذي يطرأ على ملف حقوق الإنسان خلال الفترة القادمة، وإلا ستعود إلى الخزانة الفيدرالية.

واشنطن اتخذت قرارها مُسببا بملف حقوق الإنسان. صحيح أنها أشارت باقتضاب إلى سبب آخر ثانوي وهو العلاقات مع كوريا الشمالية التي تسعى الإدارة الأمريكية لفرض عزلة اقتصادية وسياسية عليها، لكن يبقى أن العنوان العريض المأخوذ علينا هو ذلك الملف وتدهور عملية الإصلاحات الديمقراطية. في الوقت نفسه كانت الناشطة الحقوقية آية حجازي التي قضت ثلاث سنوات في السجن وخرجت بوساطة من ترامب تكتب مقالا في واشنطن بوست توجه فيه انتقادات لاذعة وتحكي تجربتها المريرة.
صحفنا خرجت كعادتها لترفع لافتة "نظرية المؤامرة" وأن الكونجرس يعادينا ووزير الخارجية ريكس تيلرسون يكرهنا وقطر تدخلت بمالها.. وكل ذلك لا يزيد في قيمته عن كلام المصاطب.

الواقع أن الحريات والحقوق الإنسانية ستظل إلى الأبد على رأس قائمة اهتمامات العالم الليبرالي الديمقراطي، الذي تحكمه المؤسسات المنتخبة بصلاحياتها الواسعة جدا.

المصريون المصرية