بدأت تعلو أصواتٌ داخل مجلس الشعب المصري تطالب بتعديل الدستور المصري. أجل، هو نفسه الدستور الصادر في عام 2014، لم يجف حبره بعد ويعد بحقّ «طفلا» بعمر الدساتير، واحتُفي به آنذاك من قبل المطالبين أنفسهم بتغييره الآن (ومن سينضمون إليهم لاحقا بكل تأكيد)، باعتباره فتحا مبينا.
والغرض، كما هو متوقع تماما، هو إطالة مدة الفترة الرئاسية، وأي غرض أسمى وأهم من ذلك لضمان الأمن والاستقرار ومسيرة التنمية واستمرارية المشروعات الجبارة، التي تنتشل مصر من وهاد الفقر ومن جب العالم الثالث، إلى مصاف الدول المتقدمة إلخ، حتى إن الدكتور علي عبد العال، رئيس المجلس، أستاذ القانون، توصل في ما يشبه الكشف الإلهي، إلى قناعة بأن ذلك الدستور لا يرضي طموحات المصريين، وهو وإن كان قد عبر عن هذا بصدد مواضيع أخرى لا علاقة مباشرة لها مع شأن التمديد، إلا أننا، بواقع التجربة، نستطيع أن نجزم بأنه سيطور من أدائه فينضم إلى المطالبين بمد الفترة، «استجابة لتطلعات الشعب المصري وتلبية لطموحاته»، ومن ثم فإن الأمر سيتطور بالاستعاضة عن الانتخابات التي لا طائل من ورائها، ولا جدوى سوى العطلة وعرقلة عجلة الإنتاج المهترئة إلى أسلوب الاستفتاء الذي نعلم مقدما نتائجه. كما نعلم أن ما بدأ مطالبة من هذا النائب وتساؤلا من ذاك الإعلامي سيعلو ضجيجه، فتنضم إليه الجوقة المعتادة بكامل عددها من المطبلين وكذابي الزفة، وكل زفة من رجال كل العصور العسكرية.
المشاهد مكررة والسيناريو محفوظ، وأعجب ما في الأمر هو أولئك الذين يبدون ويكتبون عن جزعهم وخوفهم من تحققه، بيد أن أي شخص يسقط عن نفسه غلالة الأوهام قادر على التنبؤ بهذا منذ زمن بعيد، من قبل أن يصل السيسي لسدة الرئاسة.
جل الحريصين على منظر النظام وشرعيته، هم ممن ساهموا في خلق أسطورة السيسي وروجوا لها، فدعموه من الناحية الفعلية بما أسقطوه على شخصه من استدعاءاتٍ وإسقاطاتٍ لذلك الزعيم القائد الملهم أو ذاك، والآن يدهشون من تحطم تلك الأسطورة وتساقط تلك الكومة من الهراء. أنا عن نفسي سئمت من تلك اللعبة السخيفة التي يلعبونها حيث يتظاهرون، وربما يقنعون أنفسهم بأنهم في دولة، وأن الدستور سيف ماض على رقبة النظام. السباق محسوم سلفا، وخط سير النظام، وعلى رأسه السيسي أيضا، نستطيع التنبؤ به من انحيازاته والظرف المحيط به، فالمسألة أولا وأخيرا حسابات قوى على الأرض وأولويات.
بكل تأكيد يحتل المكانة الأولى في سلم أولويات السيسي ونظامه البقاء، بالشكل الأكثر بدائية وعنفا، لذا فإنه وإن سعى وأنفق المليارات هنا وهناك على صفقات السلاح، تسولا للاعتراف به وبشرعيته، إلا أن الأساس عنده هو البقاء؛ ووفقا لتحليلاته، فإنه لا يرى في تشرذم القوى السياسية ما يهدده، كما أنه مايزال باحتكاره لأدوات العنف وسيطرته الأمنية المطلقة الغليظة القبضة، يعتقد أن الشارع المصري على حاله من الإرهاق غير المنظم والإحباط لا يبث فيه الخوف. هو لن يستجيب سوى لما له ثقل ما، سواء داخليا أو خارجيا، أو ما قد ينذر بأن يتطور ليصبح قوة أو يصنع حراكا، متى أدرك ذلك.
إضراب عمال المحلة يزعجه بما قد يؤدي إليه من حراك منظم ذي أهداف واضحة قادرة على التطور والاتساع في حاضنة عمالية تطحنها الأزمة. كذلك الضغط الأمريكي والأوروبي في ملف حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني.
في الختام، وعوضا عن الاستسلام لمشاعر التعجب والخشية والإشفاق على المستقبل فلنختصر ونوجز: لن يتنازل السيسي أو يرحل، ولن ينزل عن الكرسي بانتخابات، مبكرة أو متأخرة أو استفتاء، وتغيير الدستور من عدمه لن يغير من الأمر شيئا، فهو في النهاية وثيقة تنطق بها القوى السياسية.
لا شك أن الإقدام على حركة حمقاء كتغييره، سيفتح مساحات للحراك المجتمعي والسياسي، لكن تبقى كلمة السر والحلقة المفقودة وجود تنظيم قوى تقوده نظرية ثورية متماسكة قادر على الاستفادة من هذه المساحات واستثمارها وحشد الجماهير وراءه، وسوى ذلك فكل حراك أو ضغط أو جهد أو نضال، مصيره إلى الضياع والتبدد في الهواء.
القدس العربي