جاء قرار إقالة عبد المجيد تبون من رئاسة الحكومة في
الجزائر، مفاجأة كما كان تكليفه بعد إزاحة رئيس الوزراء عبد المالك سلال "الرجل الوفي" للرئيس الجزائري عبدالعزيز
بوتفليقة.
إذ أقال بوتفليقة رئيس الحكومة تبون بعد نحو 79 يوما فقط على تنصيبه، ليعين بدلا منه أحمد
أويحيى مدير ديوان الرئيس، ليدخل تبون موسوعة الأرقام القياسية بوصفه رئيس أقصر حكومة في تاريخ الجزائر.
وتقول مصادر جزائرية إن رؤية تبون لم تكن متوافقة مع رؤية الرئيس، وثمة مشاكل عدة نتجت بسبب سوء "التواصل" بين الرجلين.
وتحدثت وسائل الإعلام الجزائرية في الأيام الأخيرة عن رسالة "شديدة" اللهجة وجهها بوتفليقة لرئيس وزرائه، منتقدا فيها الإجراءات الأخيرة للحد من استيراد العديد من المنتجات.
تولى المخضرم والطامح للرئاسة أحمد أويحيى المولود في عام 1952 في منطقة تيزي وزو، رئاسة الحكومة الجزائرية ثلات مرات من قبل، عام 1995 وعام 2003 قبل أن تتغير تسمية المنصب إلى وزير أول، حيث تقلد المنصب ما بين عامي 2008 إلى 2012.
ويتزعم أويحيى "التجمع الوطني الديمقراطي" ثاني أكبر حزب في الجزائر وحليف "جبهة التحرير الوطني" الحزب الحاكم في البلاد.
هو خريج المدرسة العليا للإدارة بالجزائر وحاصل على شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة الجزائر.
اقتصرت خبراته العملية ومساره المهني والسياسي في أروقة وزارة الخارجية، وتقلد مناصب دبلوماسية عدة في وزارة الخارجية في الفترة ما بين عامي 1975 و1995.
وتقلد منصب وزير العدل ثم الممثل الخاص لرئيس الجمهورية.
ودخل المجلس الشعبي الوطني عام 1997، وتولى عام 2003 الأمانة العامة لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" العضو في التحالف الرئاسي الذي يملك الأغلبية في البرلمان الجزائري.
وكانت له علاقات مميزة مع المؤسسة العسكرية.
تبنى أويحيى مواقف صريحة تقوم على المطالبة بإعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها المنظومة التربوية، وتبني مناهج تعليمية أكثر انفتاحا، وروج للقيم الليبرالية في العملية التنموية، واعتبر أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الجزائر هو عودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية.
ويعرف أويحيى في الجزائر باسم "رجل الأعمال القذرة" منذ أن عرف نفسه على هذا النحو، بعد أن قاد إصلاحات التقشف التي طالب بها صندوق النقد الدولي إبان تسعينيات القرن الماضي.
عيّن مديرا لديوان الرئيس بوتفليقة قبل أن يجرد من منصبه لمدة ثلاثة أسابيع، لتعود إليه الصفة بعد نهاية الانتخابات التشريعية.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد وجهت انتقادات حادة لقرارات وتوجهات حكومة تبون، خاصة القرارات الصادرة عن وزارات التجارة والصناعة والسكن، وكذلك تصريحات رئيس الحكومة المقال.
وأنهى بوتفليقة مهام تبون، وعيّن أويحيى في منصبه، وذلك على خلفية اتهامه من الرئاسة بـ"التحرش" برجال الأعمال، والقيام بحملة تشهير، مطالبة إياه، في مذكرة سربت إلى الصحافة، بـ"الاحتكام إلى القانون والعودة إلى الرئاسة في القرارات المتعلقة بالخيارات السياسية والاقتصادية الكبرى".
وجاء ذلك على خلفية صراع حاد بين تبون و"الكارتل المالي"، الذي يضم رجال المال والأعمال، منذ إعلان تبون عن خيار الفصل بين السياسة والمال، بهدف الحد من تأثير سلطة ونفوذ رجال الأعمال في المشهد السياسي والاقتصادي.
ووفقا لأستاذ العلوم السياسية رشيد تلمساني، فإن تبون "حاول المساس بمصالح" بعض المنتمين إلى "الطبقة الأوليغارشية" المحيطة بالرئيس.
وتتحدث بعض المصادر عن أن أسباب الإقالة تتعلق بلقاء اعتبرته الرئاسة الجزائرية "خطيئة سياسية" لا تغتفر بالنسبة لرئيس الحكومة الجزائرية مع رئيس الحكومة الفرنسية، إدوارد فيليب، عندما توقف في باريس أثناء سفره لقضاء إجازته في مولدافيا، دون أن يستشير الرئاسة الجزائرية ويبلغها باللقاء في حينه.
أويحيى لن يلدغ من جحر تبون مرتين، وهو المقرب من الرئاسة ويعرف مزاجها السياسي، فقد تعهد أويحيى، بالوفاء لتعهداته السياسية مع الرئيس بوتفليقة، وولائه الكامل له، وتنفيذ خططه السياسية، وقال أويحيى، عقب استلام مهامه الجديدة رئيسا للحكومة: "أتوجه بالشكر الجزيل للرئيس بوتفليقة على الثقة التي وضعها في شخصي، وأؤكد ولائي له وحرصي على تنفيذ برنامجه الذي وضعه سنة 2014".
وكان الرئيس بوتفليقة، عين أويحيى بشكل غير رسمي على رأس الحكومة قبل صدور قرار تعيينه رسميا، بعد أن كلفه قبل 12 يوما تقريبا بتسيير الحكومة، بعد أن غادر عبد المجيد تبون لقضاء عطلته في فرنسا، ما يؤكد أن قرار الإقالة تم اتخاذه في وقت مسبق.
وللمرة الثالثة، يستنجد بوتفليقة بـ"أويحيي"، ويطلب منه شغل منصب الوزير الأول أو رئيس الحكومة.
وفي كل مرة يعين أويحيى على رأس الحكومة، كان ثمة سبب يعود إلى انزعاج الرئيس من منافس محتمل على كرسي الرئاسة.
ففي المرة الأولى، عين بعد النزاع بين بوتفليقة ورئيس حكومته علي بن فليس، الذي تبين أنه كان يطمح لشغل منصب رئيس جمهورية، ووراثة بوتفليقة.
ثم جاء التعيين الثاني عندما انزعج بوتفليقة من رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم في عام 2008، حيث كشف بوتفليقة أيضا عن رغبة بلخادم في الوصول إلى كرسي الرئاسة خليفة له.
واستنجد بوتفليقة هذه المرة أيضا بـ"أويحيى" من أجل إزاحة عبد المجيد تبون صاحب الشعبية الكبيرة.
ودائما كان أويحيى يأتي للقضاء على بقايا منافسي رئيس الجمهورية الحقيقيين وحتى المحتملين، وهو ما يعني أن الرجل سيقوم بتصحيح ما تعتبرها رئاسة الجمهورية أخطاء وقع فيها تبون.
وتساءل سياسيون وصحفيون جزائريون: هل فقد رئيس الجمهورية الثقة في جيش السياسيين ورجال الدولة المحيطين به، ولم يعد يرى سوى أحمد أويحيى؟
المصادر تشير إلى أن رئيس الجمهورية ومحيطه لا يرغبون في خوض مغامرات جديدة مع شخصيات لم تخضع للتجربة في منصب نوعي مثل منصب الوزير الأول.
وسينظر إلى أويحيى على الأرجح على أنه عامل مؤثر لتحقيق الاستقرار في وقت تحاول فيه الجزائر إجراء تعديلات اقتصادية لمواجهة الانخفاض في أسعار النفط، التي تسببت بالتبعية في خفض إيرادات الدولة، بحسب وكالة أنباء "رويترز".
لكن أويحيى لن يحاول إثارة أي شكوك حوله، فالرجل الأقرب للرئيس والمؤثر في القرار الرئاسي سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، ومن خلفه طبقة رجال الأعمال، لن يسمحوا بانزلاق كرسي الرئاسة من بين أصابعهم.