سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م، ووقوع العالم العربي تحت سيطرة الاحتلال الغربي، وانكشاف عورة المسلمين في المجالات كافة، ثم بروز العلمانية والشيوعية في حقبة السبعينات والثمانينات بشكل قوي على الساحة العربية والإسلامية، دفع ثلة كبيرة من المسلمين ودعاته إلى إطلاق العناوين الإسلامية الكبيرة التي بدأت تلتصق بالأحزاب ثم المؤسسات، وبعدها بالبرامج والأقسام والمشاريع، وأخيرا بتنا نسمع عن الإسلام الجهادي، والإسلام السياسي، والاقتصاد الإسلامي، وغيرها من المسميات التي هدفت إلى توحيد الأمة على منهاج الله سبحانه وتعالى، ومحاربة تلك الأفكار الوافدة من الغرب المتقدم ماديا على حساب الشعوب المستهلكة.
هذا الربط الجميل في مسماه سبّبَ لنا نحن المسلمين مشكلات متتابعة، أبرزها ما يلي:
1- عزز العنصرية المقيتة التي تُفرق المجتمعات ولا توحدها، وتُفكك المؤسسات ولا تُنميها، وتقتل الإرادة ولا تقويها، وذلك من خلال تصنيف الناس داخل المجتمع المسلم إلى فئات مختلفة وفقا للتوجه الفكري، والانتماء الحزبي، والشكل الخارجي، وغيرها من الأمور التي تُقلل من قيمة الإنسان المسلم وكرامته المقدسة.
2- أساء للإسلام وأهله؛ نتيجة سلوك بعض
الأحزاب والمؤسسات غير المتوافق مع تعاليم الإسلام الحنيف وأخلاقه السامية، وغيرها من الأمور التي انتهت بالحركات التي تُكفر المجتمع المسلم عامة؛ لعدم تطبيقه الشريعة الإسلامية، بل ووصل الأمر ببعض التنظيمات إلى أن يُكفروا أنفسهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
3- أبرز قصور البرامج الداخلية والإجراءات العملية، وأظهر ضعف التخطيط المرحلي والاستراتيجي عند كثيرمن الأُطر والمؤسسات المجتمعية؛ نتيجة احتمائها بالإسلام وشعاراته المميزة دون تقديم برامج نوعية، وهذا تشويه مركب للإسلام والمسلمين، سواء كان عن قصد أو بغير قصد؛ لأنَّ الفلسفة المتبعة داخل المؤسسات العملية يجب أن تلتزم بأعلى الدرجات المهنية، حتى لا تكن عبئا كبيرا على المجتمع ومؤسساته الفاعلة.
4- سمح للبعض أن يُجزئ الإسلام عن منهجه الشمولي، ويقتصره في محاور محددة، وذلك حسب رؤيته الخاصة، أو مصالحه الحزبية وأهدافه الشخصية، الأمر الذي أضر بالفكرة الإسلامية وأهدافها العظيمة، وفتح أبواب التباغض والتباعد بين قادة العمل الإصلاحي ورواده.
5- أقصى الآخر، وسد أمامه أبواب التواصل الإيجابي، والبناء التكاملي، والنجاح المشترك، وأهمل وجوده مهما امتلك من مهارات ومعارف، وبالتالي التعامل بكثير من العجرفة والاحتقار وقليل من الحكمة والاعتبار للقضايا الفكرية المرتبطة بالآخر، وما دامت جهة تعتبر نفسها مركز الكون فإن التهميش سيد الموقف لكل الأطراف التي تدعي الوحدة والقوة.
لذلك فإنَّ عدم ربط اسم المؤسسات، والبرامج، والأحزاب بالإسلام أولى من التغني به في ظل ما تقدم ذكره من نتائج سلبية لا علاقة لها بالعوامل الخارجية التي تساهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين؛ وذلك حتى لا يقول قائل إنَّ الضغط الهائل والهجوم العنيف على الإسلام هو السبب في طرح مثل هذه الأفكار.
أما إن كنت حريصا على الطهارة والأناقة، وعدم تلويث الفطرة الإنسانية عما يُعكر صفوها، ويصرف وجهتها الصحيحة عن مسارها القويم، فاجعل من قوانينك الداخلية ما يتلائم مع مقاصدها، واجعل أفعالك بالجمال تنطق؛ لأنها أبلغ من الكلمات الرنانة التي تحُاسب عليها أمام الناس إذا لم ترتق إلى المستوى المطلوب.
وكيف تصل إلى المستوى المطلوب والدين لن يشاده أحد إلا غلبه؛ لذلك وجب علينا التسديد والتقريب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
إنَّ طرح مثل هذه الأفكار لا يعني التراجع عن الإسلام ومبادئه القويمة، أو الخجل من هوية الانتماء المقدسة، لكنها تسعى إلى تقديم الفعل على القول، وتقديم الإنجاز على الشعار، في ظل واقع مرير تعيشه الأمة العربية والإسلامية، والله من وراء القصد.