أغلب التقديرات تفيد بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفضت يدها من الحل العسكري في سوريا. وتستند هذه التقديرات لثلاثة تطورات مهمة. الأول الاتفاق الأمريكي الروسي على إقامة مناطق خفض التوتر في سوريا وإدامتها ميدانيا.
كان اتفاق عمان الخاص بالجنوب السوري، بداية مثالية ومشجعة لتعميم النموذج في مناطق أخرى، وهو ما يجري العمل عليه حاليا. فبعد أسابيع على تطبيق وقف إطلاق النار في محافظات درعا والسويدا والقنيطرة، ونشر مراقبين روس في مناطق سيطرة النظام، أصبح بالإمكان الحديث عن عودة اللاجئين، والبدء في عمليات إعادة الإعمار وتحريك النشاط الاقتصادي والتنموي في المناطق المذكورة.
الثاني، إعادة هيكلة المجموعات المسلحة في عديد المناطق السورية، وتوجيهها لمحاربة التنظيمات الإرهابية، وعدم إعاقة تقدم الجيش السوري في الجنوب السوري وعلى الحدود مع الأردن. وقد تمكن الجيش السوري وبدعم ملموس من موسكو من تحقيق تقدم فعلي على مختلف الجبهات، واقترب من حسم معارك السيطرة على الحدود باستثناء حدوده الشمالية مع تركيا، التي ما تزال بحاجة لتفاهمات ترتبط إلى حد كبير بالملف الكردي أكثر من ارتباطها بموقف أنقرة المتغير من دمشق.
الثالث، الإعلان رسميا عن وقف برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم وتسليح الفصائل المعتدلة في سوريا. البرنامج الذي بدأ قبل نحو أربع سنوات وكلف مئات الملايين، فقد قيمته بعد سنة تقريبا. ويصف المحلل الأمريكي في "فورين أفيرز" فابريس بالانش قرار إدارة ترامب، بأنه تسليم براغماتي للواقع العسكري. "التحليل منشور في عدد يوم أمس الأحد من صحيفة الغد".
ويشير الكاتب في مقاله إلى أن الأردن جمد منذ ثلاث سنوات تقريبا دعمه لتلك الفصائل، وأغلق حدوده أمام مرور المساعدات العسكرية للثوار، على إثر اتفاق بين الأردن وروسيا والنظام السوري في أيلول (سبتمبر) من العام 2015، يقضي بوقف إطلاق النار في درعا.
وطلب الأردن من تلك الفصائل التوقف عن مهاجمة الجيش السوري والتفرغ لمحاربة الجماعات الإرهابية.
معلومات "فورين أفيرز" بهذا الشأن، تتفق مع السياسة المعلنة للأردن في السنوات الأخيرة، التي تعتبر القضاء على الإرهاب في سوريا وعموم المنطقة أولوياتها الأولى.
التطورات الثلاثة الأخيرة، تظهر بأنه على الرغم من الخلافات العميقة بين واشنطن وموسكو، إلا أنهما تمكنتا من نسج تفاهمات واقعية في سوريا، يمكن أن تشكل أساسا لنهاية الحرب، بمعزل عن الصراع بين القطبين في ساحات عالمية أخرى.
واشنطن قبل ذلك كانت قد حسمت موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد، وتنازلت رسميا عن مطلب تنحيته كشرط مسبق للمضي بالحل السياسي.
لم يتبلور بعد اتفاق أمريكي روسي حيال هذه المسألة، لكن الطرفين قطعا شوطا في التفاهم على تهدئة طويلة المدى في سوريا، تتفرغ كل الأطراف خلالها لتصفية الحساب مع التنظيمات الإرهابية، وإعادة هيكلة المعارضة السورية للانخراط في تسوية سياسية قابلة للبقاء، واحتواء المسألة الكردية وتجنب انفجارها بعد معركة تحرير الرقة.
مثل هذا السيناريو يلقى قبولا ودعما من مختلف اللاعبين الدوليين والإقليميين على الطرفين باستثناء إيران. أما الدول الخليجية الراعية لفصائل مسلحة فتبدو خارج اللعبة تقريبا.
الغد الأردنية