بين من يرى أنّ نتائج
الاستفتاء على التعديلات
الدستورية الذي شهدته
موريتانيا قبل أيام، "غير شرعية"، ومن يعتبرها "خالية من الخروقات"، تتباين آراء الموريتانيين، حولها لتخلق حالة من الجدل ألقت بظلالها على المشهد السياسي العام.
والسبت الماضي، صوت أكثر من 85% من الموريتانيين لصالح تعديلات دستورية قدمتها الحكومة، وتضمنت إلغاء مجلس
الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، وتغيير علم البلاد الوطني، واستحداث مجالس جهوية (محلية) للتنمية.
بين المقاطعة والتأييد
استفتاء التعديلات الدستورية في موريتانيا، حمل، حتى قبل إجرائه، كافة المؤشرات الدالة على أنه سيكون موضع جدل هائل في البلاد؛ وذلك استنادا إلى دعوات غالبية أحزاب
المعارضة إلى مقاطعته.
تكهنات سرعان ما تجسّدت بإجراء الاستفتاء، السبت الماضي، وسط مقاطعة معظم الأحزاب المعارضة المنضوية ضمن ائتلاف "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" (يضم نحو 14 حزبا).
ووصف الائتلاف، في بيان، الاقتراع بأنه عملية "هزيلة"، واتهم لجنة الانتخابات بـ"التلاعب بأصوات الناخبين وتزوير إرادة الشعب ومصادرتها".
وعقب الاقتراع الذي شهد نسبة مشاركة بلغت 53% من إجمالي من يحق لهم التصويت، وصف الائتلاف المعارض، النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات، بـ"البعيدة عن الواقع والصادمة للرأي العام الوطني".
في المقابل، أيد التعديلات شركاء حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، إضافة إلى حزبي "الوئام" و"التحالف الشعبي" المعارضيْن.
عيسى ولد اليدالي، القيادي بالأغلبية الحاكمة، مستشار وزير الاتصال، اعتبر أنّ "الشعب صوت بشكل غير مسبوق، لصالح التعديلات".
وأضاف بالقول: "التعديلات في مجملها تخدم مستقبل موريتانيا، كما أنها تخدم التنمية وإعادة التوزيع العادل للثروة، وتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية".
ورأى أنه قد "آن الأوان للمعارضة أن تلحق بالركب، وتساعد في بناء موريتانيا، وأن تمتنع عن سياسية المقاطعة، وسياسة المقعد الشاغر، التي لم تجن منها سوى المزيد من التفكك والخيبة".
واعتبر المسؤول الحكومي أن "المعارضة لم تقدم للوطن الموريتاني أية خدمة، طيلة العقود الماضية، بسبب سياسية الكل أو لاشيء" .
المعارضة ترفض النتائج ولا تطعن فيها
رغم اتهامات وانتقادات المعارضة، فإنه لم يطعن أي فصيل منها، حتى الآن، في النتيجة، وأعلن حزب "اللقاء الديمقراطي"، الذي قاد حملة "لا" -لدعوة الناخبين إلى التصويت بـ لا في الاستفتاء- أنه لن يتقدم بطعن.
ونظريا، فإن الطعون تقدم أمام المجلس الدستوري، الجهة المخولة بالفصل في صحة عمليات الاستفتاء ونتائجها، في غضون 8 أيام من إعلان النتائج الأولية.
رفضٌ تجسّد من خلال تصريحات قيادات المعارضة في البلاد، والتي انتقدت سير الاستفتاء ونتائجه، دون أن يتحول الرفض حتى الآن إلى إجراءات عملية ملموسة وفق المعمول به في مثل هذه الحالات (الطعن).
محمد ولد مولود، رئيس "حزب اتحاد قوى التقدم"، وهو جزء من تحالف المعارضة الرئيس "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، اعتبر أنّ إجراءات تنظيم الاستفتاء "غير شرعية، ومناقضة للقوانيين".
وأضاف، أن الاستفتاء الذي أُعلنت نتائجه، الاثنين الماضي، يعتبر "انقلابا على الشرعية، لأن البرلمان صوت ضد هذه التعديلات، وهذا التصويت يمثل منعا دستوريا لأي استفتاء".
واعتبر مولود، أن السلطات "لجأت لابتزاز المواطنين، واستخدمت وسائل الدولة العمومية، من أجل تمرير التعديلات".
وزعم أن "النتيجة الفعلية كانت ستعبّر عن استجابة الشعب الموريتاني لنداء المعارضة ومقاطعة الاستفتاء لولا التزوير الذي شابها".
أما حزب "اللقاء الديمقراطي" المعارض، والذي يقوده الوزير السابق، محفوظ ولد بتاح، فقد تبنى من جانبه، حملة تطالب بالتصويت بـ"لا" في الاستفتاء.
مدوّنون ومواطنون وجدل "التزوير"
وتوقع الإعلامي والمدوّن الموريتاني حيدرة مياه، أن تشهد البلاد خلال الفترة القادمة "مزيدا من التوتر السياسي، خصوصا في حال تأكد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ينوي الترشح لولاية رئاسية ثالثة".
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية والبلدية، توقع الناشط أيضا أن "يستبقها النظام بالدعوة لحوار سياسي".
غير أنه أبدى قناعة بأنّ أي حوار جديد "لن يختلف كثيرا عن الحوارات السابقة، من حيث المشاركة والنتيجة"، في إشارة إلى رفض فصائل المعارضة الفاعلة.
ونهاية العام الماضي، أُعلن عن إقامة حوار سياسي في موريتانيا يهدف إلى نقاش المشاكل العالقة وتقريب وجهات النظر بين المعارضة والسلطة.
إلا أنّ أحزاب المعارضة الرئيسية رفضت المشاركة في الحوار السياسي؛ نظرا لعدم وضع شروطها ومطالبها في جدول أعمال الحوار، الذي شاركت فيه أحزاب معارضة جديدة غير ممثلة في "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة".
أما المواطن "عالي"، فقال: "أنا شخصيا قاطعت الاقتراع ولم أدل بصوتي، لكن اللجنة أعلنت أن نسبة المشاركة كانت كبيرة، وأن الغالبية صوتوا بـ نعم".
وتابع في ذات السياق: "لا أتوقع أن لما أعلنته اللجنة مصداقية كبيرة".
فيما قالت "السالكه"، وهي أيضا موريتانية، إنها "تدعم" الرئيس.
وأشارت إلى أنها "على قناعة تامة من أنه لم يحصل تزوير في نتائج الاستفتاء"، لافتة إلى أن "إجراءات لجنة الانتخابات كانت صارمة، ولم يحدث تزوير".