من تابع الحلقات التي بثها المحامي الداد يائيف قبل خمس سنوات الذي عمل في مكتب نتنياهو لسنوات، كان يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وعائلته غارقون في الفساد، وأن القصة مسألة وقت حتى تتفتح ضده كل هذه الملفات دفعة واحدة، عندما بدأ يائيف حديثه قائلا: "هل تعتقدون أن رئيس وزراء يعتقد أن بإمكانه قصف إيران ويملك كل هذه القوة، يكتفي بـ 40 ألف شيكل كراتب شهري؟". ثم بدأ يسرد تفاصيل قضايا الفساد التي لم تثر النيابة العامة حينها، لكن يبدو أن الوقت قد حان لفتحها دفعة واحدة.
كان بيان حزب العمل شديد اللهجة بعد الإعلان عن نجاح الصفقة بين النيابة و"أري هارو" المدير السابق لمكتب نتنياهو، التي سيكون فيها هارو شاهد ملك ضد نتنياهو في كل الملفات المفتوحة: القضية رقم 1000 المتعلقة برشاوى، والقضية رقم 2000 الخاصة بالصفقة مع مالك جريدة "يديعوت"، وسيزود الشرطة والنيابة بمعلومات حول القضية 3000 وهي الأخيرة الخاصة بالغواصات الألمانية.
يمتلك "هارو" كنزا من الأسرار في القضايا الثلاث التي تحاصر رئيس الوزراء بحكم موقعه السابق، فهو من قام بتسجيل محادثات نتنياهو في قضية مالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" نوني موزيس التي ضبطتها الشرطة بحوزته.
في أثناء انشغال الإعلام في البوابات الحديدية وما نتج عنها، كانت النيابة العامة الإسرائيلية تعقد صفقة أخرى مع ميكي غانور رجل الأعمال الإسرائيلي، ومندوب حوض بناء السفن والغواصات الألمانية في إسرائيل بتحويله إلى شاهد ملك ضد نتنياهو في قضية الغواصات.
بقي شخص ثالث تحاول الشرطة ضمه إلى الشهود على نتنياهو كشاهد ملك، وهو "غيل شيفر" رئيس طاقم موظفي مكتب نتنياهو، الذي تسلم بعد "آري هارو"؛ إذ تركز الشرطة على شيفر في الآونة الأخيرة لإتمام الصفقة، ففي الشهور الأخيرة تم استدعاء شيفر عشرات المرات إلى مقر مكاتب الوحدة القطرية للتحقيق معه ويحاول محققو الوحدة الاتفاق معه، وبذلك يصبح مدراء مكتبه وكبار موظفيه الذين رافقوه وعرفوا كل شيء وسجلوا تفاصيل يومياته ومكالماته، شهدوا على القضايا التي بات واضحا أن لا مفر للهروب منها مهما حاول الظهور بمظهر المتماسك.
بعد صفقة النيابة - هارو وانشغال وسائل الإعلام بالقضية وبيان حزب العمل الداعي لإسقاط الحكومة، ودعوة الشركاء للانسحاب من الائتلاف قائلا إن نتنياهو "فقد الأهلية المعنوية والقدرة على الحكم"، بل واتهم شركاء الائتلاف بالتوافق مع المنظومة الفاسدة إذا استمروا بالحكومة، كان نتنياهو يحاول تجاهل هذه التطورات الكفيلة بإنهاء حياته السياسية، فكتب على صفحته بأنه لا يعير اهتماما للضوضاء في الخلفية، وبالتأكيد تلك نصائح محاميه الذين يتجندون دفاعا.
حزب "الليكود" يقف خلف نتنياهو بعد أن تمكن من إقصاء خصومه ومنافسيه، فمنهم من اعتزل السياسة ومنهم من أرسله ممثلا في الأمم المتحدة فبقي متفردا بلا منافسين، هذا وفر له أجواء الدعم بالإضافة لوقوف الائتلاف الحكومي اليميني حتى لا يفقد فرصة الحكم مع الصعود الصاروخي لرئيس حزب العمل الجديد "إفي غباي" الذي تمكن من رفع نسبة حزب العمل في الاستطلاعات بشكل مثير، إذ يعتبر تصريح وزيرة العدل عن حزب البيت اليهودي "أييليت شاكيد"، لافتا ومخالفا للمنظومة الأخلاقية الإسرائيلية نفسها، إذ قالت إن "نتنياهو ليس ملزما بالاستقالة من منصبه في حال تقديم لائحة اتهام ضده؛ "أي حتى بعد أن تتأكد الجهات الشرطية والقضائية من دواعي محاكمته بتهمة الفساد، تطالب وزيرة العدل أن يستمر بالحكم.
وفيما يخيم الصمت على شركاء الائتلاف، يسابق محققو الوحدة القطرية والنيابة العامة الزمن لإغلاق الملفات، وقد فرضت النيابة حظر النشر لتسهيل عملها، وذلك لتساقط الشهود ضد نتنياهو واحدا تلو الآخر وإلى أن ينتهي الأمر مع غيل شيفر، أغلب الظن أنه لن يكون هناك مجال لإنكار التهم مهما حاول نتنياهو وزوجته التي استدعيت للتحقيق الأسبوع الماضي، وحينها سيعرف أن الأمر ليس ضوضاء خلفية بل حبال تلتف حول رقبته وسكاكين تطعن في البطن الرخوة، التي كانت تفتح شهيتها للمال والرشاوى.
واضح أن نتنياهو يكابر أو هكذا يوصيه طاقم المحامين وطاقم العلاقات العامة حوله، وواضح أيضا أنه يعاند التقاليد الإسرائيلية، التي جعلت رؤساء وزراء سابقين يتصببون عرقا ويتوارون خجلا خارج السياسة، ومنهم رابين الذي قدم استقالته بعد اكتشاف حساب مالي لزوجته في الولايات المتحدة بأموال قليلة قياسا بزوجة نتنياهو، هذا يعني أن غياب الخجل لن يجعله يسارع بتقديم استقالته، بل سيستمر كما قالت شاكيد عندما أعطت جرعة دعم قانونية وسياسية في الائتلاف.
في الربيع الماضي كانت كل التقديرات تشير إلى أن التحقيقات ستنتهي في شهر أيار، وتحتاج الشرطة إلى شهر أو اثنين لإعداد لائحة اتهام هذا قبل أن تنفجر قضية الغواصات وإيجاد شاهد ملك دامغ، ولا زالت هناك ملفات مفتوحة، هذا يعني أن هناك تباطؤا ربما يكون متعمدا من النيابة العامة أو عرقلة سير عملها من قبل مجموعة دفاع نتنياهو، وهذا الأمر الذي جعلها تقرر وقف النشر في القضية. لكن علينا أن نتذكر أن محاولة إدانة ليبرمان ظلت لسنوات طويلة، هذا لا يعني أننا أمام سنوات لأن الأمر مختلف تماما؛ لأن الملفات انفتحت على مصراعيها وواضح أن نهاية الحياة السياسية للرجل الذي اعتبر نفسه خارقا وفوق العادة إلى الدرجة التي حطم فيها الرقم القياسي في مدة الحكم متجاوزا المؤسس دافيد بن غوريون تقترب.
نحن أمام أفول ظاهرة نتنياهو الذي تمكن في السنوات الأخيرة من تحطيم منافسيه سواء في المعارضة أو في حزب "الليكود" متفردا بالساحة السياسية، بحيث ظهر الرمز الوحيد للزعامة في إسرائيل. هذه الملفات ستودعه السجن كما يرى المراقبون على درب سلفه إيهود أولمرت؛ تسلّم منه الحكم وربما سرير السجن أيضا!
الأيام الفلسطينية