أجمع خبراء اقتصاديون على أن القرار السعودي الذي صدر السبت، والقاضي بخصخصة قطاع الخدمات الصحية، قد يترتب عليه آثار سلبية تنعكس بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتثقل كاهلهم بأعباء مالية إضافية، فيما رأى آخرون أن الخطوة من شأنها تعزيز مبدأ المحاسبة والمساءلة في المؤسسات الصحية، بما يضمن تقديم أفضل الخدمات الممكنة.
وفي خطوة مفاجئة أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قرارا بخصخصة المؤسسات الصحية، والعمل على برنامج تأمين شامل للمواطنين.
وجاء القرار الملكي على الرغم من حالة الرفض الغالبة له داخل اللجنة الصحية في مجلس الشورى السعودي، وسط خشية من آثار سلبية جراء هذه الخطوة، بالنظر لكون الخدمات الصحية مكفولة من طرف الدولة.
سيئة السمعة
وقال الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية إبراهيم الطاهر إن
خصخصة القطاعات العامة في الدول العربية كلمة سيئة السمعة، لأنها تحمل في طياتها تنصل أو تخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين، ورهن مصيرهم ومستقبلهم في يد مجموعة من المستثمرين ورجال الأعمال همهم فقط جمع الأموال من جيوب المقتدرين وغير المقتدرين، على حساب جودة الخدمات.
وأضاف الطاهر لـ"
عربي21" أنه في الحالة
السعودية؛ فإن إعلان المملكة عزمها خصخصة القطاع الصحي يتزامن مع تراجع مؤشرات الاقتصاد السعودي، وتوسع الحكومة في الاقتراض نتيجة لتزايد عجز الموازنة العامة، وتراجع الاحتياطي النقدي بالبلاد على خلفية تراجع أسعار النفط، والتكلفة الباهظة للتدخلات العسكرية السعودية في عدد من دول المنطقة وخاصة في اليمن وسوريا.
وأشار إلى أن ذلك يعني أن الاتجاه نحو الخصخصة الهدف منه البيع، وتحميل المواطن السعودي أعباء إضافية جديدة وليس من أجل التطوير وتحسين الخدمات.
الربحية هدف المستشفيات
وأشار الطاهر إلى وجود مخاوف كبيرة من خصخصة القطاع الصحي، أبرزها الاستنزاف المالي للمواطن السعودي، وخدمات صحية لا يستطيع تحمل نفقاتها سوى شريحة محدودة من أصحاب المال والأعمال، ولن يقدر عليها غالبية المواطنين.
وتابع: "خصخصة القطاع الصحي تجعل من الدولة مشرفة على القطاع وليست منفذة، وهو ما يضع المواطن السعودي فريسة سهلة في أيدي تجار الخدمات الصحية، ويجعل الحق في العلاج سلعة تباع وتشترى".
اللجنة الصحية في مجلس الشورى السعودي قالت مؤخرا إن تحول المستشفيات لقطاع خاص له إيجابيات، ولكن سلبياته أكثر، "لأن الربحية ستكون هدف هذه المستشفيات، وأن استقبال الأمراض المستعصية أو المزمنة ذات التكاليف العالية لن يكون من أهدافها"، مطالبة بضرورة التأكد من الاستمرار في شمولية الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين.
لن تتمكن من الاستمرار
وتحدث الباحث المتخصص في شؤون دول الخليج العربي، سايمون هندرسون، عن الأزمة المالية في السعودية ضمن ورقة عمل له في معهد واشنطن اطلعت عليها "
عربي21" تناول فيها الحديث عن خطة محمد بن سلمان حتى عام 2030، وقال: "إن ثمة العديد من العراقيل التي تلوح في الأفق في وجه خطة بن سلمان، وهي التراجع المستمر في أسعار النفط، الذي يقلل من الإيرادات الضرورية لتنفيذ التغييرات المقترحة، والاضطراب المالي والسياسي المكلف للحرب في اليمن".
في المقابل قال الدكتور عبد الإله الهوساوي إن
القطاع الخاص السعودي سيساعد في تحسين الجودة، إذا توفرت أنظمة وقوانين تحث على ذلك.
وقال الهوساوي وهو طبيب وجراح سعودي إن الغلاء وتزايد قيمة الإنفاق على
الصحة من التحديات التي تواجه جميع دول العالم، لافتا في مقال منشور اطلعت عليه "
عربي21" إلى أنه "بالاطلاع على نسبة الأمراض المزمنة وغير المزمنة في المملكة، سنوقن أن الدولة لن تتمكن من الاستمرار في ضخ المليارات على القطاع الصحي في السنوات والعقود القادمة بنفس حجم الميزانية الحالية".
خروج القطاع الحكومي تدريجيا
وكحل لذلك رأى الهوساوي ضرورة تحفيز دخول القطاع الخاص في الخدمات الصحية السعودية، وخروج القطاع الحكومي تدريجياً واستبدال ذلك في المقابل بالتركيز على القوانين والأنظمة التي تضمن نجاح منظومة القطاع الصحي كاملة.
وكانت صحيفة "الوطن" السعودية قالت السبت إن القرار الملكي السعودي جاء استجابة لعرض قدمته وزارة الصحة إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وأشارت إلى أنه جرى الموافقة على تأسيس شركة حكومية قابضة تتبعها خمس شركات مملوكة للوزارة في المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى تأسيس برنامج للضمان الصحي وشراء الخدمات الصحية يتبع للوزارة.
وتستهدف وزارة الصحة السعودية من خلال برنامج التحول الوطني 2020، التوسع في خصخصة الخدمات الحكومية، من خلال رفع مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الرعاية الصحية من 25 بالمئة إلى 35 بالمئة، وتعمل على تحويل المستشفيات إلى شركات حكومية.