أصدرت محاكم مصرية أحكاما لا تتسم بأدنى درجات العدالة والتحاكم النزيه، بإعدام عدد من شباب مصر، انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب الشديد، وصدق عليها رئيس الانقلاب العسكري، وبات الأمر بين التنفيذ والضغط الدولي والقانوني المناسب الذي يمنعه، ولكن الأمر الغائب عن الكثير هنا هو عقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة لكل من يشارك في هذه الجريمة، سواء بتقديم الشباب بأدلة مزورة، ومن حكم بذلك، ومن أفتى بإعدامهم، ومن شارك بسلبية تجاههم، كل هذه ألوان يعدها الشرع مشاركة في هذا الجرم في حق هؤلاء الشباب، ما لم يقم كل شخص بواجبه نحوهم.
يحدثنا القرآن الكريم عن قوم نبي الله صالح عليه السلام، وقد كانت معجزته الناقة، ومع ذلك تآمر تسعة رهط – كما يقول القرآن الكريم – لقتل الناقة، واستأجروا لها من يقتلها، فقال تعالى: (إذ انبعث أشقاها) الشمس: 12، فمن نفذ الجريمة المادية واحد وهو القاتل، لكن القرآن الكريم عندما تكلم عن الوزر والعقاب، جعله جماعيا، فقال تعالى: (فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) الشمس: 14، فالله عز وجل قال: (فعقروها) بالجمع، دلالة على أن من حرض على القتل، ومن هلل له، ومن ساهم ولو بكلمة، أو بشهادة زور، جعله الله تعالى شريكا في الجرم، وشريكا في العقاب الإلهي.
ويقول تعالى عن بني إسرائيل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) آل عمران: 21. فقال المفسرون: رغم أن الحديث موجه لبني إسرائيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نسبت لهم جريمة القتل، لرضاهم بذلك، وتأييدهم له، وإيمانهم بأنه حق وصواب.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرة: فأنكرها- كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها".
أما من حكم وأفتى بإعدام بريء، فعقاب الله له وخيم في الآخرة، وكذلك يكون في الدنيا، وفي تاريخ حكم العسكر خير دليل، ففي عام 1955م عند تنفيذ حكم الإعدام في شهداء الإخوان ممن اتهموا بمحاولة قتل عبد الناصر، وعلى رأسهم القاضي الفقيه عبد القادر عودة، يقول موسى صبري: كان عبد الناصر قلقا وغير مستريح، واستدعى الشيخ أحمد حسن الباقوري لبيته، ودخل غرفة نومه لأول وآخر مرة في حياة عبد الناصر يدخل أحد عليه غرفة نومه، وشكا له أنه لا يستطيع النوم، وغير مستريح لتنفيذ الحكم، وأنه كان ضد فكرة إعدام الملك فاروق، فكان دور الباقوري هنا هو تهدئة عبد الناصر، وإقناعه بسلامة ما يقوم به. انظر: وثائق 15 مايو لموسى صبري ص: 267. ومرت السنوات، وإذ بعبد الناصر يعزل الباقوري، ويتجاوز في حق أهل بيته بالباطل، ثم تمر السنوات بعد ذلك، ويصاب الباقوري قبل وفاته بشلل، وقد قال لأحد تلامذته: هذا ذنبي القديم!! يشير إلى مشاركته في طمأنة قاتل لبرآء قام بشنقهم ظلما وعدوانا.
والشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر السابق الذي ما ترك شيئا طلبه منه الحكم العسكري إلا وفعله، ومع ذلك انتقم منه العسكر شر انتقام، لمجرد أن قال كلمة في الخفاء: إنه لا يحب الاشتراكية، فعزل بشكل مهين، وأهانه العسكر، كما حكى ذلك الشيخ الشعراوي إذ كان يعمل مديرا لمكتبه رحمه الله.
ليس هذا حديث التاريخ فقط، بل هو حديث الواقع، فماذا فعل الانقلاب بمن هلل له وطبل، حتى من كان يتسابق مع غيره في النفاق له، فأين أحمد الزند، وأين نبيل فهمي، وأين وأين؟؟!! فالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وحديث التاريخ والواقع، يخبرنا أن عقاب الله لا يغيب عمن يقتل بريئا، أو يشارك في قتله بأي درجة من المشاركة، ولو بالصمت، فهل نقوم بما علينا نحوهم، ونحو كل مظلوم، كي ننجو من العقاب الإلهي؟!!