قضايا وآراء

في المسألة الخليجية -1

1300x600
قبل أي شيء أود أن الفت عناية القارئ الكريم إلى أن المنطقة العربية تشهد حروبا مستمرة ولا يكاد يخلو عقد من الزمان أو أقل منه إلا وهبت رياح الحروب السموم ، وهي حروب لم تستفد منها المنطقة العربية شيئا إلا الخراب والدمار واحتلال الأراضي والسيطرة من الأجنبي على منابع النفط ومصادر الثروات.

 أذكرك عزيزي القارئ ببعض تلك الحروب بدء من 1948 وانتهاء بالحرب التي يدق البعض طبولها في داخل مجلس التعاون الخليجي وتحديدا في قطر الشقيقة كما يحلو لمن يعلنون الحرب على قطر تسميتها .

المنطقة العربية تعيش حالة حرب سواء مع الكيان الصهيوني أو مع بعض جيرانها أو من داخلها كما الحال في لبنان وحربه الأهلية التي أفقدته توازنه ولا يزال يعاني حتى اليوم .

العدوان الثلاثي وحرب 1967 والحرب العراقية الإيرانية والتي في عام 1980 واستمرت لثمان سنوات بين جارتين وانتهت في غير صالح المنطقة ، وفي عام 1982 احتل الكيان الصهيوني ولأول مرة عاصمة عربية هي بيروت ، ثم جاء صدام ليحتل الكويت في عام 1990 وتبعه حرب أخرى هي حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت ، ثم اندلعت الحرب في الصومال وتمزق على اثرها الصومال أو ذهب مع الريح ثم وفي 2003 غزت أمريكا وبريطانيا العراق بدعم خليجي لا تخطئه العين تحت شعار تحرير العراق ( مِن مَن لا أعرف ) ولا يزال العراق يعاني حتى يومنا هذا .

 وتحولت ثورة الشعب اليمني إلى حرب خاضتها السعودية وبعض حلفائها تحت شعار إعادة الشرعية وهي التي وقفت ضد الشرعية في مصر ، وهكذا الحال في سوريا والتي تحولت ثورتها إلى حرب استقلال ثم حولتها إيران وحزب الله إلى حرب أهلية .

 ما فات هو مجرد تذكير ولو راجعت التواريخ سوف تجد أن معدلات اندلاع الحروب في منطقتنا أصبحت سريعة جدا ، ومن اللافت أن الكيان الصهيوني ليس هو من يخوض تلك الحروب وإن كان يديرها من وراء ستار .

اليوم تدق طبول الحرب من جديد في المنطقة والذي يدقها ليس الكيان الصهيوني وليست أمريكا بل يدقها بعض نفر من آل زايد ومن آل سلمان هذه هي الحقيقة، فالسعودية منهكة اقتصادية وقبل أشهر أعلنت خطة التقشف التي تفرض على السعوديين نمطا حياتيا أقل من مصادر دخل بلدهم التي يدخلها مليار دولار كل صباح ومع ذلك فلا تزال نسبة البطالة مرتفعة مقارنة بالثروة القومية التي تقدر بالتريليونات من الدولارات .

السعودية المنهكة في حربها في اليمن يشغلها ترتيب البيت الداخلي وعلى ما يبدو فإن محاولات الانتقال غير السلس للسلطة تعاني بعض المشكلات فمحمد بن سلمان الذي رفعه أبوه مرتبة عليا متخطيا الجميع بما في ذلك من يحق لهم وراثة الملك، يجد نفسه في مأزق حقيقي لأن ابن عمه محمد بن نايف هو ولي العهد وعلى ما يبدو فإن بن نايف ليس راغبا في التخلي عن دوره في السلطة تحت إغراء كما فعل عمه مقرن بن عبد العزيز الذي كان وليا للعهد ثم أطيح به، وبالتالي فطموح بن سلمان يواجه صخرة قوية فما العمل؟

هو التوجه صوب محمد بن زايد وما يملكه من شبكة علاقات قوية داخل أمريكا ومع الكيان الصهيوني، وهنا لابد وأنك تسألني وما علاقة الكيان الصهيوني بالحكم في عالمنا العربي فأحيلك إلى تصريح ليس عنا ببعيد لمصطفى الفقي سكرتير مبارك للمعلومات قال فيه "إن وصول جمال مبارك للسلطة مرهون بموافقة الكيان الصهيوني" وهي على ما يبدو قاعدة لم يستثن منها أحد في المنطقة اللهم وصول الرئيس مرسي للسلطة بإرادة شعبية جارفة بعد ثورة قلبت كل الموازين ليست في مصر بل والعالم بأسره، ولذلك تم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

الإمارات هي كلمة السر في كل الحروب في المنطقة ولم تكن بعيدة أبدا عن الحرب العراقية الإيرانية فكما جاء في أسرار تلك الحرب أن محمد بن راشد كان يمارس البزنس مع إيران أثناء حربها مع العراق يعني أن قلبه كان مع العراق لأن ذلك قرار خليجي ولكن عقله مع ايران لأن السبوبة تكمن هناك.
محمد بن زايد أعتقد ولا يزال بعد إخفائه لأخيه وإبعاد بعض إخوانه عن مركز القرار أن المملكة العربية السعودية يجب أن تكون ملكا له ولو من غير تتويج ولم لا وهو الذي سب الأمير نايف بن عبد العزيز ذات يوم ووصفه بالقرد أمام الأمريكان وهو يرى أن وجود بن نايف في السلطة يعني أذى كبيرا له، وربما يضع مستقبل الإمارات على المحك .

قد تسألني وما علاقة قطر بهذا الموضوع: أقول لك أن ارتباط الملفات بعضها البعض بكل من أمريكا والكيان الصهيوني يفرض على السعودية أو نظام الحكم فيها للموافقة على خطة الانتقال الجديدة أن تلتزم ببعض مطالب أمريكا والكيان وهي المطالب التي أعلنها ترامب في زيارته للرياض قبل أسابيع وعاد وكرر نفس المطالب في اجتماعه بنتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في محطته الثانية بعد قمة الرياض.

هذه المطالب وبوضوح هي الاعتراف بالكيان الصهيوني، والإعلان الصريح والفصيح عن رغبة الدول العربية وعلى رأسها السعودية التي سماها ترامب بالاسم في تصريحه في إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان وليس مجرد تعاون من وراء ستار.

 وهذا يتطلب من السعودية أن تعلن وبصراحة أن حماس إرهابية، وهذا ما أعلنه وزير خارجيتها عادل الجبير صراحة ثم عاد ونفاه عندما شعرت السعودية أنها لا تستطيع تحمل كلفة مثل هذا التصريح لا اليوم ولا غدا ولا بعد مائة عام ، فقد تحاشت ونأت بنفسها من قبل عن أي اتصالات مع الكيان الصهيوني رغم أن من قاموا به سعوديون قريبون من السلطة مثل رئيس المخابرات الأسبق تركي بن فيصل أو العميد المتقاعد أنور عشقي ، فكيف لها أن تصرح بأن حماس إرهابية؟

تعود وتسألني وما دخل قطر في الموضوع إذا ما رغبت السعودية والإمارات في تطبيع علني مع السلطة أو اعتبار حماس إرهابية ؟ والإجابة هي أن السعودية لا تريد أن تبدو وحيدة وهي تعلن عن إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، لأنه وكما تتصور زعيمة العالم الإسلامي وهذا يعني انهيار سمعتها التي بالفعل خدشت وجرحت في عدة أيام حين أعلنت الحرب على قطر.

مرة أخرى وما علاقة قطر؟ قطر رفضت تسمية حماس بالإرهابية، وبالتالي رأى محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أن قطر لا تسير في الركب وأنها لا تريد تصنيف حماس بالإرهابية فرفعوا أمرهم لولي الأمر في أمريكا و الذي أشار عليهم بالحصار وبضربة جوية لم يتم تنفيذها لرفض بريطاني وإقليمي، ما وضع بن زايد وبن سلمان في مأزق فالحصار أصبح عديم النفع لأن قطر على ما يبدو لن تنحني ولن تستسلم في ظل وجود دعم شعبي غير مسبوق، ناهيك عن دعم سياسي كبير من بقية دول مجلس التعاون ومن دول الإقليم إذا ما استثنينا السيسي وعصابته الإعلامية التي تضر السعودية أكثر مما تنفعها .

نكمل القصة في مقال قادم بإذن الله .