لقد فكرت مليا وأنا أكتب عنوان هذا المقال وبداية التفكير كان لماذا يكرهون الإخوان ووجدت أن القضية ليست حبا وكراهية ثم فكرت لماذا يحاربون الإخوان؟ وهذا أيضا غير صحيح لأن الحرب تكون مع المحارب أمثال تنظيم الدولة والحوثي والقاعدة وغيرهم من التنظيمات الهلامية فهي تحاربهم ويحاربونها ثم استقر التفكير على الحقيقة وهي أنهم يخافون من الإخوان والسؤال المطروح هو لماذا؟
لقد تبادر إلى الذهن هذا السؤال مع ما صدر عن مسئولين من السعودية ومن أبوظبي أو ما سرب خلال الوساطة الكويتية في الأزمة التي سوف تعصف بالخليج بين قطر وجاراتها. وكما أذاعت وسائل الأعلام سواء العربية أو الأجنبية فإن الدول الخليجية وكبيرتهم السعودية قد وضعوا عشرة شروط لوقف الحصار عن قطر وإعادة العلاقات والمياه إلى مجاريها في الحظيرة الخليجية.
وهذه الشروط كما قيل تبدأ بقطع العلاقات مع إيران وإغلاق قناة الجزيرة وحتى وقف تمويل جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وطرد المنتسبين لهما من الدوحة. وإذا كانت حماس هي الفرع الفلسطيني لتنظيم الإخوان كما في ميثاق التأسيس ففي النهاية المقصود هم الإخوان المسلمين.
قبل البدء في محاولة الإجابة على السؤال المطروح أود أن الفت الانتباه أن ما يحدث في الخليج من تراشق وتنابذ كان يحدث بين دول عربية كثيرا في المنطقة على مدى العقود السابقة ولكن الخلاف هذه المرة يختلف في عدة جوانب أولها أن الطرفين المختلفين ينتميان لنفس القبيلة الخليجية والتي لم نكن نسمع عنهما قبل حرب رمضان 1973 وارتفاع أسعار البترول والجانب الثاني أن الخلافات كانت دائما بين دولتين من الدول الحقيقية العربية الكبرى مثل مصر والعراق وسوريا او بين المغرب والجزائر ولم يحدث أن تكون الخلافات بين إمارتين من إمارات الخليج سواء قطر او أبوظبي.
الجانب الثالث أن معظم الخلافات السابقة كانت بين دولتين تنتميان لقوتين عظمى مختلفتين الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة ولكن الخلاف الذي نراه الآن بين جانبين ينتميان لنفس القوى العظمى. فالطرفين المختلفين وهما قطر وأبوظبي كانا ضمن المحميات البريطانية على مدى عقود وحتى ظهور أهمية البترول للولايات المتحدة في منتصف السبعينات تحولوا إلى محميات بها قواعد أمريكية.
والدليل على ذلك محاولة الطرفين اكتساب رضا وتأييد السيد الساكن بعيدا وهو عليهما يضحك ثم سيقول كلمته فيلتزم الجميع. كما أن الانتشار الإعلامي وتزايد دور القنوات التلفزيونية في صناعة الأخبار والتأثير على الرأي العام وأصبحنا نعيش مرحلة القنوات التي تتبعها دول وليس الدول التي لها قنوات.
وأخيرا التدخل المباشر للمسؤولين من وزير خارجية أو مستشار للأمير هنا أو هناك يوكد أن الأزمة التي تعيشها هذه البقعة الصغيرة من العالم لن تلتئم -والله أعلم- دون تنازلات تجرح الكرامة والكبرياء أو تغيير جذري فيها.
ويبدو وما هو معلن أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة هو وجود علاقات بين قطر وإيران ولكننا نجد أن إمارة أبوظبي لديها علاقات اكثر وأعمق مع إيران أو بسبب وجود قناة الجزيرة فالسعودية لديها العربية وأبوظبي لديها سكاي نيوز ولكن في تقديري أن السبب الخفي هو الدعم الظاهري من قطر لجماعة الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكها او أى من فروعها من خلال التمويل أو الاستضافة.
والتهمة التي يتهمون بها الإخوان هي أنها جماعة "إرهابية" وهنا اضطر للاستطراد للحديث عن مصطلح الإرهاب فهو مصطلح قراني لا ينكره احد لان الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال "وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ? وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " الأية 60 ولكن للأسف يقوم الكثير حتى من المسلمين باستخدام المصطلح للتدليل على العمليات الإجرامية التي تحدث هنا وهناك. والأية تطالب المسلمين بأن يعدوا ويستعدوا بالقوة والعتاد بأشكاله المختلفة من أجل إرهاب عدو الله وعدو المسلمين حتى لا يقاتلهم ويعتدي عليهم.
وهذا المعنى أخذت به الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية وهو ما اصطلح عليه وعرف باستراتيجيات الردع العسكري. وأنه كلما قامت دولة بتطوير ترسانتها العسكرية كلما أرهبت وردعت القوى المناوئة لها في إقامة حروب معها.
وخير مثال على ذلك الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وكذلك الهند والباكستان. لذلك أقول أن المسلم إذا أعد من أجل ردع أعداء الله وأعداء المسلمين ليس مجرما بل هو مسلم يطبق تعاليم دينه.
ولكن ما حدث ويحدث في نيويورك وباريس ولندن أو في الدمام والعراق وسوريا ومصر وأخيرا في طهران هي عمليات إجرامية قام بها مجرمون مهما رفعوا رايات الإسلام او شعاراته.
والإخوان المسلمون ليست جماعة "مجرمة" او أجرمت في حق احد والجميع يشهد بذلك بل هي جماعة تدعوا إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولو كانت غير ذلك لما تأخرت الدول الغربية عن تصنيفها ووضعها علي القوائم السوداء.
ولقد سعت المملكة المتحدة في عهد رئيس الوزراء كاميرون بدفع خليجي ولم يتحقق بعد بحث ودراسة استمرت أكثر من عام للجماعة وادا بياتها وا فكارها ونظمها وغير ذلك.
وكذلك الحال في الولايات المتحدة حاول بعض أعضاء الكونجرس في وصم الجماعة "بالإجرام" خلال عهد الرئيس أوباما ولكن لم يفلحوا ومع قدوم ترامب حاول أيضا ولكن انقسمت إدارته على نفسها فتأجل القرار وهذا نتيجة وجود حرية داخل هذه الشعوب وهذا يولد وينتج عنه وجود عقلاء في هذه المجتمعات لا تقبل بالظلم. ولكن في مجتمعاتنا نجد أن القرار في هذا الشأن او غيره يُتخذ من جانب شخص واحد لأنه لا يوجد احد يعارضه أو حتى يناقشه فيما يتخذه من قرارات.
لذلك يسعى الغرب الذي لم يستطع وصم الجماعة بأن ينيب عنه الحكام العرب والمسلمين المستبدين في القيام بالدور الذي يرغبه ولا يستطيع القيام به لأنه يعلم أنهم يسلبون حرية شعوبهم وأرادتهم. وقد حاول هؤلاء الحكام بعد فض رابعة والنهضة دفع أبناء الجماعة إلى استخدام العنف للرد على عنف الدولة ولكن الله حفظ الجماعة ولم تُجر لهذا المسار. المظلم وثبتت على منهجها لذلك هم يخافون من الإخوان المسلمين .
إن الإخوان المسلمين يدعون إلى ما يدعو إليه الإسلام من حق وحرية وعدل وأخلاق كريمة وهنا يقول الأستاذ البنا حمه الله في رسالة دعوتنا "فهم بعض الناس خطأ أن الإسلام مقصور على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية، وحصروا أنفسهم وأفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصور. ولكنا نفهم الإسلام على غير هذا الوجه فهما فسيحا واسعا ينظم شؤون الدنيا والآخرة، ولسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع فيه من أنفسنا، وإنما هو ما فهمناه من كتاب الله وسيرة المسلمين الأولين، فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة إسلامية فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى والغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن فسيرى في ذلك دعوة الإخوان”.
من هنا فهم الإخوان الإسلام بشكله الصحيح وكما نزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم. أما من يخاف من الإسلام الصحيح لأنه يريد الظلم ويستمرئه ويريد الاستبداد بشعبه والتحكم فيه ويريد الفساد وانهيار الأخلاق والانحلال حتى يسهل له السيطرة ويعيش حياته كما يحلوا له. فهو لا يريد من يذكره ويدعوه إلى هذا الإسلام الشامل وإلى اتباع الحق والالتزام به. لذلك فهم يخافون من الإخوان المسلمين.
إن الإخوان المسلمين تلتزم بمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله وهو المنهج الرباني الذي أرسله لنبية لتطبيقه. وتعتمد فكرة المرحلية وتبدأ ببناء الإنسان والفرد والأسرة ولو طالت المدة لأنهم يعلمون إنه المنهج الصحيح للإصلاح. ثم ينتقلون لبناء المجتمع ومؤسساته ثم الحكومة والدولة وأخير العالم والبشرية. لأن هذه المراحل نفسها التي مرت بها الدعوة الأولى ولن ينصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها. والجماعة تفهم جيدا أنها ليست جماعة المسلمين وأنه من الممكن أن تكون هناك اكثر من جماعة تستخدم نفس المنهج وتقوم على تطبيقه وبالتالى لا تنجر إلى مواجهات مع جماعات أخرى تستهلك خلالها طاقتها وقوة المسلمين وتطبق القول المشهور نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
والألية المعتمدة لدى الإخوان المسلمين في تطبيق هذا المنهج هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وعدم استخدام العنف والصبر على الأذى. ومهما حاول الكثيرين تحوير وتغيير هذا المنهج لا يفلحون ويخرج من حاول ذلك ويبقى الإخوان المسلمين ثابتين على مبادئهم ومنهجهم. وهم يعلمون أن المدة قد تطول وقد علمهم المرشد المؤسس ذلك اقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام بأن الأمل في الله متصل ولا ينقطع أبدا والارتباط به دائم لذلك هم يخافون من الإخوان المسلمين.
إن جماعة الإخوان المسلمين انتشرت الآن في عدد كبير من دول العالم وصل في بعض التقديرات إلى أكثر من سبعين دولة وقطر. ويختلف المستوى والإعداد في كل دولة عن الأخرى ففي دولة تجد إنها ما تزال في مرحلة التأسيس ودولة أخرى تجد إنها مستقرة وأصبح ينتمي لها الملايين من المسلمين.
وهذا الانتشار متواجد في بقاع مختلفة من العالم. وليس مقصورا على البلاد الإسلامية فقط. هذا بالإضافة إلى وجود العديد من غير المسلمين من يرى أن جماعة الإخوان تهدف إلى صالح البشرية وهي في ذلك تقتدي بالمصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وتطبيقا لقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام "لم أبعث لعانا إنما بعثت رحمة" ومع الانتشار الذي وصلت إليه الجماعة فانك تجد من ينتمي إليها وهو مشارك في الحكم في بلد ما او يشكل معارضة قوية في بلد آخر.
بالتالي تجد القوى الغربية نفسها مضطرة إلى التعامل مع من ينتمي للجماعة في أكثر من دولة سواء في الحكم أو في المعارضة. وهذه النماذج تتزايد وتنتشر قد تمر ببعض النكسات ولكنها مستمرة والشعوب المسلمة مستمرة في تأييدها ولا تكون هناك اختيارات حرة إلا ونجح ممثلوها والمرشحين على قوائمها. لذلك هم يخافون من الإخوان المسلمين.
وأخيرا وليس آخرا فإن الإخوان لهم غاية واضحة وكما يقول الأستاذ البنا رحمه الله في رسالة إلي أي شيء ندعو الناس "وبما أن الغاية هي التي تدفع إلى الطريق, ولما كانت الغاية في أمتنا غامضة مضطربة كان لابد من أن نوضح ونحدد, وأظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح واتفقنا على أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي بغيرها لن يسعد الإنسان".
هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم, وتهب لإنفاذها في عزم وفي مضاء, لم يبتدعها الإخوان ابتداعا, ولم يختلقوها من أنفسهم, وإنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم, وتبدو في غاية الوضوح في كل حديث من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وتظهر في كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المثل الأعلى لفهم الإسلام وإنفاذ تعاليم الإسلام, فإن شاء المسلمون في أن يقبلوا هذه الرسالة كان ذلك دليل الإيمان والإسلام الصحيح, وإن رأوا فيها حرجا أو غضاضة فبيننا وبينهم كتاب الله تبارك وتعالى, حكم عدل وقول فصل يحكم بيننا وبين إخواننا ويظهر الحق لنا أو علينا" لذلك فهم يخافون من الإخوان المسلمين.
كلمة أخيرة هذه بعض الجوانب وهناك جوانب أخرى عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقال والتي تجعلهم يخافون من الإخوان المسلمين سواء الظالمين والمستبدين في العالم العربي والإسلامي أو المفسدين والفاسدين في مختلف أنحاء العالم وأوجز ما أعنيه باعتقادي في أن جماعة الإخوان المسلمين تعيش في قلب هذه الأمة وهي الوحيدة المؤهلة لقيادتها لذلك فهم يخافون من جماعة الإخوان المسلمين فهل يدرك ويبصر الإخوان المسلمون ذلك؟ والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.