أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في خطابة أمام الزعماء العرب والمسلمين في قمة الرياض 21 الشهر الجاري، أن "حماس" حركة إرهابية، داعياً دول المنطقة إلى القضاء على التطرف أولاً، مؤكداً على ذات المعنى في كلمته أثناء زيارته الكيان الإسرائيلي، 23 أيار/ مايو، متعهداً بحماية "الإسرائيليين من صواريخ حزب الله وحماس".
بيان قمة الرياض لم يأت على ذكر حركة "حماس" كحركة إرهابية، في إشارة ضمنية لرفض السعودية والدول العربية والإسلامية، التماهي مع خطاب الرئيس ترامب في اتهامه "حماس" بالإرهاب، على اعتبار أنها حركة تقاوم الاحتلال الصهيونيلأراضٍ عربية وفقاً للقانون الدولي.
هذا التحليل للخطاب منطقي تجريدياً بمعزل عن الخلفيات والأهداف، ولكن إذا توقفنا عند سياسة بعض الدول النافذة والأساسية في الإقليم كالسعودية، والإمارات، ومصر، وتطور موقفها من القضية الفلسطينية لناحية التطبيع والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي بذريعة مواجهة إيران وذلك بمعزل عن تسوية الصراع العربي الصهيوني..، ومن ثم تطور موقفها من حركة الإخوان المسلمين بوسمها بالإرهاب..، فإن ذلك يدفع المراقب إلى قراءة مختلفة، مفادها أن قمة الرياض لم توْرِد اسم حركة "حماس" في بيانها الرسمي،تجنباً لحدوث إنقسام بين الدول العربية والإسلامية المشاركة، وبالتالي الحفاظ على موقفها منمواجهة إيران وحزب الله، ومحاربة "التطرف والإرهاب"الذي يمكن أن ينسحب تفسيره على حركة "حماس" في مُخيّلة وسياسات بعض الدول العربية التي لها موقف سلبي أصلاً من حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر مظلة فكرية وحاضنة جماهيرية داعمة لحركة "حماس" في مواجهة المشروع الصهيوني.
إن نظرة معمّقة في موقف السعودية، والإمارات، ومصر تجاه حركة "حماس"، يبعث على الشك والريبة بخلاف ما يظهر منه خطابياً؛ فجوهر الموقف لتلك الدول يتقاطع مع شروط الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة) التي أُنشئت عام 2002م لمتابعة الصراع العربي الصهيوني، وطالبت حركة"حماس"الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، ونبذ العنف (المقاومة)، والقبول باتفاقيات أوسلو.
وفي هذا السياق، فإننا نُذكّر بزيارات توني بلير، مبعوث الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط ولقاءاته بقيادات "حماس"، ودعوته الحركة أثناء زيارته قطاع غزة في شباط/ فبراير 2015م، إلى قبولها بحل الدولتين كنهاية للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس شيئاً مؤقتاً، وإلى إعلان حماس نفسها حركة فلسطينية وليست كجزء من حركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية، وإلى قبولها المصالحة الوطنية وإنجازها على أساس برنامج سياسي قاعدته دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967م، كشرط "لتحسين أوضاع قطاع غزة وإعادة الإعمار، وكمدخل لتسوية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفقاً لحل الدولتين". ما يؤكد مجدداً حقيقة وسبب الحصار المضروب على قطاع غزة منذ 2007م، بشراكة عربية، وتواطؤ دولي مع الاحتلال الإسرائيلي.
أهمية هذه التفاصيل والتذكير بها الآن هو انعقاد قمة الرياض وما تمخّض عنها من توصيات، لا سيّما مكافحة "الإرهاب والتطرف". ذلك المصطلح المطّاط الذي قد ينسحب على حركة "حماس" وفقاً لتفسير بعض الدول العربية؛ فعلى صلة بالموضوع، طالب مؤخراً (24/5/2017) الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، والمقرب من دوائر صنع القرار في الرياض، طالب حركة حماس بـ " أن تُعلن أنها ليست إرهابية من خلال استخدام وثيقتها السياسية ضد الإرهاب، وأن تدخل في التحالف الإقليمي لمحاربة إرهاب دول ومنظمات كتنظيم الدولة والقاعدة" وأضاف: "اعتراف حماس بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967م يمكن أن يخلّصها من تهمة الإرهاب". أي أن عدم اعتراف الحركة بالاحتلال الإسرائيلي، أو عدم قبولها المبادرة السعودية للسلام سيُعرّضها لتهمة الإرهاب المطلوب استئصاله وفقاً لمخرجات قمة الرياض.
ومن هنا، فإن ما تتعرض له قطر، الدولة الصديقة لحماس والمستضيفة لقيادتها السياسية على أراضيها..، من هجوم إعلامي منذ فجر24 أيار/ مايو الجاري، أي بعد ثلاثة أيام فقط من قمة الرياض، يشير إلى بدء المعركة وتدشينها، من خلال الربط بين الدوحة وطهران، وبينها وبين حركة الإخوان المسلمين "الإرهابية" حسب التصنيف السعودي، الإماراتي، المصري..، ومن اللافت للنظر وصف قناة العربية المحسوبة على السعودية، لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي في أحد تقاريرها "بالجماعات المتطرفة" المتفرّعة عن تنظيم الإخوان المسلمين وإيران.
هذا السياق الخطير على مستقبل القضية الفلسطينية، والذي يستهدف ما تبقى في الجسم العربي والفلسطيني من عافية..، يدفع حركة "حماس" وعموم المقاومة الفلسطينية إلى أخذ الحيطة والحذر، وإلى إعادة النظر فيمنظومة علاقاتها السياسية لمواجهة الاستهداف القادم، فالمرحلة لم تعد تقبل الحياد أو سياسة الاحتماء؛ فالتحالف الاستراتيجي الجديد بقيادة الرياض، وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية، سيتقاطع حتماً مع الكيان الإسرائيلي استخبارياً ولوجستياً في الحد الأدني بذريعة مواجهة إيران، وهو المدخل الأوسع لاستهداف حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية كاستحقاق لازم للتحالف الناشئ بين واشنطن وتل ابيب، وبين دول ما يعرف بالاعتدال العربي.