قضايا وآراء

كل عام والعقرب ليس بخير

1300x600
يهل شهر رمضان هذا العام على الصائمين إجبارا في سجن العقرب المصري حيث أكبر تشكيل حكومي من وزراء ومحافظين سابقين يقبعون تحت سقف سجن واحد.

يتذكرهم الناس حينا وينسونهم حينا آخر مع ازدحام أحداث السياسة والعنف التي تموج بها البلاد. وهم ليسوا بمعزل عن هذه الأحداث، فكلما وقعت حادثة عنف يتم الانتقام من سجناء العقرب بتجريد الزنازين وإطلاق الكلاب البوليسية على النزلاء ومنع الزيارات وإغلاق الكافتيريا والكانتين وهما المتنفسان الوحيدان للحصول على أطعمة باهظة الثمن يتجاوز سعر البرتقالة الوحدة فيه ثلاثين جنيها مصريا أو ما يعادل نحو دولارين.

يبدأ إغلاق سجن العقرب أمام الزيارات غالبا في شهر شعبان ويستمر حرمان السجناء من ذويهم أو إدخال أية أطعمة طوال أكثر من شهرين بما فيهم عيد الفطر. وهو تقليد خبيث تتبعه إدارة سجن العقرب بالمخالفة للوائح السجون وكل القوانين والأعراف المحلية والدولية. ولم يحدث استثناء سوى في العام الماضي حين أثمرت ضغوط الأهالي وبعض المنظمات الحقوقية على فتح جزئي للزيارات في موسم الإغلاق هذا. الأمر الذي يشير إلى أن الضغوط في هذا الملف تؤتي ثمارها ولو بشكل محدود.

لا يملك معتقلو العقرب من أمرهم شيئا. فلا يستطيعون إجبار الداخلية على تطبيق قانون السجون. وإذا دخلوا في إضراب عن الطعام فلا يصل صوتهم لمن هم في الخارج كي يحدث ضغط على النظام لتحسين الأوضاع. هذا بالإضافة للأمراض التي تنتشر يوما بعد آخر وأخبار التفنن في التعذيب التي أصبحت شبه مألوفة في وسائل الإعلام.

وإذا كان مقتل الدكتور فريد إسماعيل عضو البرلمان السابق والدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية أجراس خطر في مرحلة ماضية، فإن نقل عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط للمستشفى أثناء محاكمته وشهادات المتحدث باسم الإخوان الدكتور أحمد عارف والدكتور عصام العريان مؤخرا في المحكمة هي أجراس إنذار أشد لمن ألقى السمع وهو شهيد.

رغم أن النظام المصري يطيح في شعبه وخاصة المعارضين السياسيين قمعا وسجنا إلا أنه يحرص أن تكون هناك سردية تشكك دائما في أية انتهاكات لحقوق الإنسان. وهذه السردية يعتمد على نشرها في أوساط مؤيديه ووسط القطاعات العاملة معه في الأجهزة المختلفة. فقبل أسبوع، نشر موقع صحيفة الأهرام المصرية ما بدا وكأنه تحقيقا عن سجن العقرب بعنوان "ماذا تعرف عن سجن العقرب "الأسطورة"؟"، لم يعتمد كاتبه سوى على رأي لواء سابق يدعى محمد نجيب عمل مساعدا لمصلحة السجون ينفي كل ما يشاع عن سجن العقرب وكأنه واحة استجمام. وأضاف، بحسب نص التحقيق، أن المسجونين كانوا يحرصون على أداء فترة عقوبتهم في العقرب.

هذه السردية هي التي تسمح للنظام أن يمضي قدما في إجرامه في السجون المختلفة وخاصة سجن العقرب. فإذا تعرضت هذه السردية للاهتزاز بسبب ضغوط الأهالي الداخلية والضغوط الحقوقية الخارجية لا يملك إلا أن يخفف من حجم هذه الانتهاكات قبل أن يستأنفها مرة أخرى. وبالتالي هناك حاجة لممارسة ضغوط ممنهجة ومستمرة من الأهالي ومن الحقوقيين في الداخل والخارج لفضح هذه التجاوزات حتى يتم التخفيف على المسجونين وهو أضعف الإيمان.

الأمر الآخر أنه لا يوجد تمثيل شامل للسجناء السياسيين في مصر عابر للاتجاهات السياسية سواء على مستوى المطالب الجماعية الصادرة منهم مباشرة أو على مستوى تنسيق هيئات الدفاع. وهذا التنسيق والحديث بصوت واحد ضروري جدا لأنه يفرغ دعاوى السلطة من مضمونها. لأنها حين تجد نفسها في حرج بسبب تبعات انتهاكاتها في السجون فتحيل الأمر لمنطق الحالات الفردية. وربما يحتاج هذا الأمر لحديث منفصل.
الأكثر قراءة في أسبوع