فجعنا بضربة جديدة من قوى الظلام، طالت عددا من أهلنا الأقباط في صعيد مصر، حيث اغتالت يد الإرهاب أكثر من خمسة وعشرين مواطنا مصريا، بعضهم من الأطفال، لا لذنب لهم ولا جريمة، محض أحقاد سوداء عششت في عقول البعض فانتهكوا حرمة الدم وحرمة الإنسان وعصمة الدين، وانتهكوا كل القيم النبيلة، ناهيك عن انتهاك القانون.
العملية الإرهابية التي شهدتها محافظة المنيا اليوم مدانة بكل المعايير، ولا يمكن قبول هذا المنطق الدموي المروع، لقد عجزت عن رؤية الصور والمشاهد، وحتى الآن أهرب من أي متابعة لها سواء عبر الشاشات أو الإنترنت، قلوبنا تعبت بما يكفي من مشاهد الدم والأشلاء الممزقة طوال الأشهر الماضية، فنحن نعيش في كابوس رهيب لم نعهد مثله في مصر من قبل، ونسأل الله ألا يمتد وألا يستمر، وأن تتطهر مصر من دنس الإرهاب وجنونه.
جريمة المنيا تأتي في سياق مخطط ممنهج واضح، لاستهداف الأقباط، نكاية في النظام السياسي، ومحاولة من تلك المجموعات لإهانة النظام وإظهاره بالضعيف عن القدرة على حماية الأقباط، وهي معارك كسر عظم دموية مستمرة منذ 2013، يذهب ضحاياها الأبرياء دائما، والبسطاء من الناس، وهناك تهديدات معلنة من تلك الجماعات طوال الشهور الماضية تتوعد الأقباط بعنف دموي، وهي تهديدات منشورة ومتداولة، ويعرفها الكافة، ولذلك أستغرب أن تحدث مثل تلك الحوادث المتتالية دون أي جهد أمني مكافئ لخطورتها، كيف تسير حافلة فيها هذا العدد من المستهدفين دون أي حماية أمنية من أي درجة، في حين لو تحرك ميكروباص صغير فيه سبعة سياح ترافقه سيارة شرطة، حراسة أمامه وسيارة حراسة خلفه.
على مدار الجرائم الإرهابية المتتالية التي حدثت في الأشهر الماضية لا يوجد أي مساءلة جادة للقيادات الأمنية، لا أحد يحاسب أحدا، وأذكر أنه عندما وقعت جريمة الدير البحري الشهيرة في عصر مبارك، وقتل عدد من السياح انتقل رئيس الجمهورية بنفسه إلى هناك وتفحص المكان، ثم أقال وزير الداخلية من هناك، ورفض أن يعود معه، وأهانه أمام الفضائيات والحضور بتعليق عنيف، بينما نحن الآن نواجه العمليات الإرهابية المروعة والمتتالية وكأننا نتعامل مع حوادث الطرق، بل حتى حوادث الطرق إذا ثبت فيها الإهمال الشديد تتم إقالة رئيس الهيئة، سواء كانت السكك الحديدية أو غيرها، أو إقالة الوزير نفسه، ولكننا الآن لا نحاسب أحدا ولا نعاقب أحدا، ومن ثم يستمر الإهمال ويستمر التراخي ويستمر ضعف الإحساس بالمسؤولية.
لم يعد من الملائم ولا المنطقي البحث عن شماعات نحمل عليها تلك الوقائع، لم يعد أحد يقبل لعبة الحديث عن الأزهر وتجديد الفكر الديني، كما لا يليق أن نتحدث عن أن الإرهاب يضرب في كل مكان وليس في مصر وحدها، فكون أن هناك تقصيرا في جهة ما، لا يعني تبريرا للتقصير في جهة أخرى، كما أن القياس بين ما حدث في مصر وبريطانيا مثلا مضلل، فهناك حادثة واحدة عشوائية حدثت هناك خلال عامين، بينما نحن الآن أمام مسلسل دامٍ مستمر بشكل أسبوعي تقريبا، ما بين استهداف إرهابيين لأقباط أو ضباط شرطة أو قضاة أو غيرهم، وهو مسلسل يكشف عن ضعف واضح في الأداء الأمني، خاصة أن مصر استخدمت أقصى طاقات يتيحها القانون لإطلاق يد الأجهزة الأمنية وختمتها بإعلان حالة الطوارئ، كما أنها دولة تعيش على وقع استنفار دائم وخطير لتوقع الأعمال الإرهابية، فكيف إذا كنا في غير هذا الاستنفار؟!
المسؤولية الأمنية لا يصح أن تغيب المسؤولية السياسية عن مجمل الأوضاع المحتقنة في البلاد التي تتيح للإرهاب أن يتمدد ويستقطب كوادر جديدة، النظام السياسي مسؤول عن إماتة السياسة، وحصار الأحزاب، وتكميم الأفواه، ومحاصرة المجتمع المدني، وضرب الصحف التي تقول لا، أو تمارس المعارضة الشرعية، فمحاربة الإرهاب ومحاصرته ليست سياسات أمنية فقط، إنما منظومة سياسية شاملة، توقف الانقسام الأهلي، وتفتح أبواب الأمل والمشاركة والتفاعل أمام الجميع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وثقافيا وإعلاميا، وتدمج المجتمع كله في مشروعات وطنية تشعر المواطن الفرد أنه مشارك حقيقي في صنع مستقبله ومستقبل أولاده.
المصريون المصرية