* المهم أن الاستفتاء قد تم إقراره، ولا تهم النسبة
* تركيا بعد إقرار الاستفتاء رسميا صارت أقوى أوروبا تريدها شريكا ضعيفا وتابعا
* علاقاتنا بالقاهرة قائمة، ولكنها بطيئة ونحرص على ألا تكون على حساب مكاسب ثورة يناير
أكد عمر فاروق قورقماز، المستشار الأول لرئيس الوزراء التركي لشؤون الشباب والشرق الاوسط، أن ما يهم الحكومة التركية الآن هو النتيجة التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات في 27 نيسان/ أبريل؛ بأن التعديلات تم إقرارها، وانتقلت تركيا إلى النظام الرئاسي.
وأشار، في مقابلة مع "عربي21"، إلى أن هذه النتيجة متقاربة مع نتائج الاستفتاءات والانتخابات في الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، مضيفا: "لن نقبل من أحد أن يزايد علينا أو يعلمنا الديمقراطية".
من جهة أخرى، قال قورقماز ان العلاقات مع مصر قائمة على الصعيد التجاري، "وإن كانت وتيرتها بطيئة، إلا أنه يجب على تركيا أن تتوسع في علاقاتها مع محيطها العربي والإفريقي، ولكن ليس على حساب الثورة المصرية.
ورأى أن الملف السوري من أكثر الملفات تعقيدا أمام تركيا الجديدة، ولن يرى الوضع السوري حلا ما لم تتوافق أمريكا وروسيا وتركيا على صيغة سياسية متقاربة.
والى نص الحوار:
* كيف قرأت نتيجة الاستفتاء من حيث نسبته وتوزيعه الجغرافي، لا سيما أن أكبر ثلاث مدن صوتت لصالح "لا" رغم فوز "نعم" على مستوى البلاد؟
- النتيجة النهائية هي أهم شيء بالنسبة لنا، ونحن نعمل بالمثل التركي الذي يقول: "لا تنظر إلى الخطيجة (المرأة) ولكن انظر إلى النتيجة". فأهم شيء يعنينا هو نجاحنا في اجتياز الـ50 في المئة لإقرار النظام الرئاسي، وهذه النتيجة التي حققناها لا تختلف كثيراً عن نتائج استفتاءات بريطانيا وانتخابات الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ففي النظام الرئاسي يحدث هكذا اصطفاف وتكون النتيجة بهذه الكيفية.. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي للنتيجة، فهو تحليل ثانوي لا يغير من الوضع شيئا، ولكن أهم شيء هو النتيجة النهائية.
* ما الذي سيترتب على هذا الاستفتاء؟
- الآن يترتب عليه استعداد تركيا للانتخابات الرئاسية القادمة في 2019، بمعنى أن الحكومة الحالية ومعهم الرئيس أردوغان يجب أن يجهزوا دولاب الدولة لذلك؛ بمؤسسات وأجهزة جديدة على صعيد البيروقراطية، إذ أن كثيراً من المؤسسات والأجهزة سيتم استحداثها، وكثيرا في المقابل سيتم إلغاؤها.
* هل هناك تصور لهذا؟
- بالطبع هناك تصور جاهز، فنحن نعمل في دولة وليس في جماعة هنا أو هناك.. وبالطبع كافة المؤسسات سترتبط بمؤسسة الرئاسة بيروقراطياً، والقيادة العسكرية وضعها سيختلف، وإدارة المدن كذلك، كما أنه سيتم استحداث ضواح جديدة. وخلال عامين ستكتمل كافة الأمور والإجراءات المطلوبة.
* أصبحت تركيا نظاماً رئاسياً بعد 16 من نيسان/ أبريل.. فما هي المميزات لهذا النظام من وجهة نظركم؟
- أهم شيء ان النظام الرئاسي سيودي إلى استقرار نسبي أكثر، وتركيا ستكون أقوى اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؛ لأننا كنا ننشغل من قبل كثيرا بالانتخابات كل فترة قصيرة، بينما في النظام الرئاسي ستلتقط الدولة التركية أنفاسها طيلة خمس سنوات، والآن ستُصبح الانتخابات كل خمس سنوات، وهو ما سيظهر الدولة التركية بصورة أقوى.
* طعون حزب الشعب الجمهوري ولجوؤه إلى أوروبا والتلويح بالمحكمة الأوروبية.. ما انعكاس ذلك على الداخل التركي؟
- هذا الأمر لن يؤثر كثيراً في الداخل، وحزب الشعب الجمهوري ليس على رأي واحد في هذا الأمر، والرئيس السابق للحزب والسياسي المخضرم دينز بايكل قال لأعضاء الحزب: دعوا هذا الموضوع جانباً، ولننظر إلى الأمام استعداداً لانتخابات 2019، وبالتالي هذا الموضوع يُثار كما اُثير من قبل أكثر خلال ستة انتخابات خسرها حزب الشعب، وكليشدار أوغلو الرئيس الحالي لحزب الشعب دائماً يلجأ للتشكيك والطعن في كل مرة يخسر فيها.
* استفتاءت أوروبا في غالبيتها تأتي بنسب تقارب هذه النسبة.. لماذا ينصحون تركيا ويبدون انزعاجهم وتخوفهم على الديمقراطية فيها؟
- تركيا دولة ديمقراطية عريقة، ولا نقبل أن يأتي أحد يعلمنا الديمقراطية، والشعب التركي بالكامل عريق في الديمقراطية، وهو ما يعني أن نسبة المشاركة للناخب التركي خير دليل، ولا داعي لأن يزايد علينا أحد. أما بالنسبة لحالة الخوف التي انتابت بعض دول أوروبا من النظام التركي الجديد، فالسبب هو أنه سيكون أقوى، وهم يريدون شريكاً ضعيفاً. ونحن نؤكد أن تركيا القوية ليست ضد أوروبا وليست ضد أي دولة عربية أيضا، ونحن شركاء مع أوروبا في مجموعة العشرين الكبار وفي حلف الناتو، والكثير من المؤسسات الدولية.
* البعض يردد أن هذا الاستفتاء وقف الرئيس أردوغان وراءه حتى يستمر في رئاسة تركيا إلى ما لا نهاية.. فما حقيقة ذلك؟
- ببساطة ماذا لو كان النظام البرلماني مستمرا ودخل الرئيس أردوغان في الانتخابات ليصبح رئيسا للوزراء، فهل هناك من كان يستطيع أن يمنعه من ذلك؟! هذه واحدة.. ثانيا، من الذي يضمن للرئيس أردوغان أن يكون رئيساً في 2019 حال ترشح للانتخابات؟ ولكنه بعد التعديلات يحدد نفسه لتكون رئاسته مرتين في الرئاسة فقط.. إذا كان التفاف الشعب حوله، كما تقول، فمن الذي يقف ضد إرادة الشعب ليمنعهم من جعل أردوغان رئيساً عبر الصندوق؟ فالتعديلات الدستورية ليست رغبة الرئيس أردوغان وحده، ولكنها رغبة الكثيرين من قادة تركيا السابقين والذين زار الرئيس أردوغان قبورهم؛ ليؤكد لهم أنه حقق رغبتهم التي لم تساعدهم الظروف على تحقيقها.
* تعلم أن بعض أحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة مع العدالة والتنمية، ورغم ذلك نسبة الموافقة في الاستفتاء لم تتجاوز 51.4 في المئة.. هل يعد ذلك فشلاً أو تراجعا لشعبية العدالة والتنمية؟
- هذا ليس فشلاً، فتلك ليست انتخابات حزبية، والاستفتاء أمر يختلف تماما عن الإنتخابات، كما أن الرئيس أردوغان لم يحصل على أصوات الاستفتاء بينما حصل عليها كمرشح رئاسي.. كما أن الأتراك لم يكونوا على علم بهذا النظام الرئاسي من قبل، الأمر الذي يجعل فوز الإستفتاء يعد نجاحاً كبيراً وليس فشلا. فهذا النظام لم يكن يعرفه كثير من الاتراك، وكانت نسبة الموافقين عليه فقط 30 في المئة من الشعب التركي، واستطاع الرئيس أردوغان وحملة الدعوة للتصويت بـ"نعم" أن تصل بهذه النسبة إلى 51.4 في المئة خلال شهور قليلة، وهذا قمة النجاح.
* هل يدفع النظام الدستوري الجديد في تركيا بالعلاقات العربية التركية إلى الأمام أم العكس؟ ولماذا؟
- بالتأكيد ستنطلق علاقات تركيا للأمام مع الجميع، عربيا وأوروبيا وإفريقيا. فأي دولة صديقة لتركيا سوف تستفيد من تركيا الجديدة أكثر وستتعمق العلاقات معها، ولن يكون ذلك على حساب العلاقات التركية الأوروبية.
* كثر اللغط حول عودة العلاقات المصرية التركية، والتي تتحمس شخصياً لها.. ألا يعد ذلك طعنة لرافضي الانقلاب في تركيا من مختلف التيارات؟
- انظر.. وفق دراستي لطبيعة المجتمع المصري وتياراته في الداخل والخارج، فإن أغلبهم يريدون عودة العلاقات المصرية التركية، ولكن ليس على حساب الثورة المصرية، وبالتالي ليس منطقياً أن تتراجع تركيا عن المضي قدما في هذا الأمر، مع وضع مكاسب ثورة يناير أمام عينيها.
* هل هناك محددات لهذا الأمر؟
- المحدد الاساسي هو أن تستمر العلاقات التجارية الثنائية (التركية – المصرية)، فالشركات والمصانع التركية موجودة وتعمل في مصر والعكس، كما أن المستثمرين موجودون في كلا البلدين، مصر وتركيا. فليس هناك ما يمنع أي مصري أن يؤسس شركة أو مصنعا في تركيا، وكذلك الحال في مصر بالنسبة للأتراك، وهذا لا يعد طعناً لأحد من الخلف، وليس لدي ما أنصحهم به، فهم يعرفون هذه الأمور أكثر مني.
* كيف ترى العلاقات التركية الأمريكية مع قدوم الرئيس دونالد ترامب؟ وهل تحقق تركيا مطالبها بفرض منطقة آمنة في سوريا؟
- العلاقات التركية الأمريكية مرتبطة بالموقف الأمريكي تجاه تركيا، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تتواصل مع دولة إقليمية كبيرة بحجم تركيا؛ فمرحبا بها وليست هناك مشكلة، أما إذا كانت أمريكا ستدعم منظمة إرهابية صغيرة عددها لا يتجاوز 60 ألفاً، فالأمر يعود إليهم، ونحن ننتظر موقف ترامب من ذلك حيث أنه لم يتضح بعد، وربما يتضح ذلك بعد لقاء الرئيس الرئيس أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب في بروكسل منتصف أيار/ مايو المقبل.
* ما هو مستقبل العلاقات الروسية التركية في ظل الأوضاع الحالية؟
- العلاقات الروسية التركية تتقدم ببطء، ولكنها تتقدم، ولكن هناك أطرافا ثالثة، سواء في تركيا أو في روسيا، تسعى لعرقلة تلك العلاقات وإفشالها؛ إما بخلق بعض المشاكل التي يصنعها الطرف الثالث للوقيعة، بينهما كاغتيال السفير الروسي في تركيا مثلا، إلا أن الحكومتين في روسيا وتركيا تدركان ذلك، وتتعاملان بحكمة مع المؤامرات الداخلية والخارجية التي تريد الوقيعة بينهما.
* هل يمكن أن تتقارب تركيا مع إيران بعد الهجوم على الحشد الشعبي من قبل الرئيس أردوغان؟
- العلاقات التركية العراقية تعيش في أجواء مد وجزر في هذه المنطقة، بحكم أننا جيران. ونحن نتواصل حتماً، ولا يمكن أن تنقطع علاقاتنا مع الجيران، ولكنني أؤكد أن ملاحظات الرئيس أردوغان حول الحشد الشعبي واعتباره منظمة إرهابية هي ملاحظة في محلها وصحيحة، ولا يمنع ذلك من الحفاظ على التواصل، لا سيما أننا دولتان جارتان.
* العلاقات التركية الخليجية كيف أصبحت، لا سيما مع المملكة العربية السعودية وقطر.. الاقتصادية والسياسية؟
- علاقات تركية مع الدولتين تتقدم إلى الأمام على مستوى جيد، وأعتقد بعد الاستفتاء الكثير من الشركات الخليجية، لا سيما القطرية والسعودية، ستتوافد بقوة إلى تركيا بشكل كبير؛ لأن تركيا تعرض تسهيلات كثيرة جاذبة للمستثمرين الأجانب عامة، والعرب بصفة خاصة.
* ما هي جهود تركيا في ملف القضية السورية بالتنسيق مع روسيا وإيران.. هل يمكن أن نرى حلا سياسيا في المدى القريب؟
- الملف السوري ربما يكون هذا الملف هو الأصعب أمام القيادة التركية بعد الاستفتاء، ولا بد من دراسته جيداً مع الجيران ومع روسيا، وفي تصوري الشخصي أنه إذا لكم يكن هناك تفاهم بين كل من تركيا والولايات المتحدة الامريكية وروسيا على حل مقبول من جميع الأطراف، فالحل السوري سيأخذ وقتا أطول.
* بعد دخول أمريكا على خط الصراع في سوريا.. هل جاء ذلك في صالح تركيا أم العكس؟
- لم نر شيئاً ملموسا على الأرض بعد، ولا يمكن البناء على مجرد التصريحات، ولكن بعد أن نرى شيئاً ملموساً على الأرض يمكن أن نبني عليه.
* كيف عادت اللغة العربية إلى المدارس والجامعات التركية؟ وهل من الممكن أن تعود الكتابة باللغة العثمانية.. أي الحرف العربي؟
- نحن لدينا 3500 ثانوية أئمة وخطباء تدرس اللغة العربية، ونحن للأسف من كثرة حبنا للغة العربية كدنا نقتلها؛ لأننا ندرسها بطريقة دفعت الأتراك للنفور منها. وهنا تأتي الحاجة الملحة للإخوة العرب المقيمين في تركيا لسد تلك الفجوة مع اللغة العربية، حيث أن التركيز على اللغة العربية ونشرها في كل المستويات مطلوب وبقوة بين كثير من الأتراك.
* كيف تستعد تركيا للعام 2023 (مئة عام على تأسيس تركيا الجمهورية)؟
- تركيا تستعد لاستقبال 2023 بالتعليم والاقتصاد، وبالاستمرار في مد جسور التواصل والعلاقات الدولية أوروبياً وعربياً وإفريقياً.
* على ذكر إفريقيا، كيف ترى واقع العلاقات التركية الإفريقية؟
- علاقتنا بالافارقة قديمة وعريقة جداً؛ لأن الأفارقة يعلمون أن وجود تركيا في الأراضي الإفريقية لمصلحتهم، وأن الشركات التركية تأتي من أجل الشراكة والتنمية وليس للاستعمار. ولذلك الآن أصبحت الدول الإفريقية تتوجه إلى تركيا بشكل كبير. معظم دول إفريقيا، حتى الدول التي يحكمها غير مسلم، تجدها حريصة على علاقات اقتصادية وتجارية وشراكة أوسع مع تركيا.. فالأتراك هم العنصر الأبيض الوحيد الذي لا يخاف منه الأفارقة.