قضايا وآراء

من سيكون رئيس فرنسا القادم؟

محمد مالكي
1300x600
1300x600
لم تعد تفصل الفرنسيين عن تاريخ الاقتراع الرئاسي سوى أيام قليلة، ففي السابع من مايو/ أيار المقبل سيتعرف الناخبون على رئيسهم الجديد، وعن لونه السياسي، والخطوط الكبرى لرؤيته لحكم فرنسا. والواقع أن قسمات صورة ما سيحصل بدأت في التشكل، إن لم نقل تشكلت فعلا، إذا كانت نتائج استطلاعات الرأي صحيحة وصادقة. ففي آخر استطلاع رأي تم ترتيب أربعة مرشحين محتملين في الصدارة، هم على التوالي: "إيمانويل ماكرون"، و"مارين لوبين"، و"جون ليك مولنشون"، و"فرانسوا فيون"، وهم موزعون بين اليمين واليسار. لذلك، وبغض النظر عن رجاحة نتائج الاستطلاعات من عدمها، فقد شهدت فرنسا سياقا انتخابيا لم تعرف نظيرا له من قبل، من حيث أفول الأحزاب التقليدية، يمينُها ويسارُها، وتراجع الوجوه السياسية البارزة التي دأبت على إعطاء طعم خاص للتنافس على مؤسسة الرئاسة، وبالمقابل ظهور مرشحين بخلفيات متباينة وأوزان جديدة، ثم إن الخوف كل الخوف أن تعرف فرنسا عزوفاً عن المشاركة لحظة الاقتراع، بسبب هذه التغيرات النوعية الجديدة، ونتيجة اهتزاز المشهد الحزبي الفرنسي وارتباك مجمل فاعليه وقواه السياسية.

لاشك أن استفادة "اليمين المتطرف" ستكون واضحة خلال الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي 23 نيسان/أبريل 2017، بسبب الترهل الذي أصاب مرشح "اليمين ووسط اليمين" "فرانسوا فيون"، الذي عاش خلال الشهور الأخيرة على وقع الاتهامات الموجهة إليه وإلى عائلته، فقد تراجعت حظوظه كثيرا، وتقدم عنه منافسوه من اليسار، أي "ماكرون" و"ميلنشون". ثم إن مرشحي اليسار المتقدمين بشكل مستقل، ودون غطاء من أحزاب اليسار التقليدية، أي "الحزب الاشتراكي"، و"الشيوعي"، وأنصار البيئة، قد طورا ترتيبهما في استطلاعات الرأي، وتمكنا من توسيع قاعدتهما الانتخابية، لاسيما في صفوف المترددين، أو الغاضبين على أحزابهم من اليمين واليسار. فـ"إيمانويل ماكرون"، وهو الأكثر حظوظا حتى الآن، وربما أوفر حظا حتى من "ماري لوبين" في الطور الانتخابي الثاني، تمكن من استمالة كتلة مهمة من الناخبين على الرغم من تقدمه كمرشح مستقل، وإن كانت فئات واسعة تعتبره محسوبا على اليسار الاشتراكي، بل يرى فيه الكثيرون "الوريث الشرعي" لـ"فرانسوا هولاند". في حين نجح "جون ليك ميلنشون" في تطوير خطابه وتواصله مع الناخبين، وساعدته خبرته السياسية ومهاراته الشخصية من تسويق خطاب جاذِب وإلى حد بعيد مؤثر ومقنع في قاعدة واسعة من الجسم الانتخابي.

لذلك، تبدو التوقعات، إذا أثبتت صحتها نتائج الاقتراع المقبل، أن المبارزة ستُفرز في الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي 23 أبريل/ نيسان 2017، تصدر مرشح اليمين المتطرف "مارين لوبين"، ومنافسها من اليسار "إيمانويل ماكرون"، مما يعني أن الجولة الحاسمة للتنافس ستؤول إلى هذين المرشحين في الطور الثاني، المنتظر تنظيمه في 07 أيار/مايو 2017. ومرة أخرى إذا   انطوت هذه التوقعات على قدر كبير من السلامة والصحة سيكون الناخبون أمام مشهد سياسي وانتخابي سبق لهم أن خبروا نظيرا له، حين انتهى المطاف بالتنافس بين اليمين المتطرف واليمين عام 2002، وتحالف الجميع من أجل قطع الطريق على حركة اليمين المتطرف. والواقع أن صعود "اليمين المتطرف" إلى سُدة الحكم في فرنسا سيكون، إن تحقق، أكبر انعطاف سياسي في تاريخ فرنسا، وتاريخ الجمهورية الخامسة على وجه التحديد، وسيحصل للفرنسيين ما حصل للأمريكيين بفوز "دونالد ترامب" في الاقتراع الرئاسي الأخير. إنها مجرد فرضية أن يفوز اليمين المتطرف، وأن يحصل للفرنسيين ما حصل لنظرائهم الأمريكيين.. لكن من خلال قراءة ما جرى ويجري في فرنسا خلال التنافس على الرئاسيات الحالية، يجعل المتابع حائراً، وغير متيقن مما ستؤول إليه النتائج، بل غير متأكد مما سيحمل الاقتراع من مفاجآت.
 
 لكن لنرجح فرضية تماسك الفرنسيين وتحالفهم في الدور الثاني من أجل قطع الطريق على "اليمين المتطرف"، ولنذهب بالتخمين إلى ترجيح انتصار مرشح اليسار المستقل "إيمانويل ماكرون".. فهل سيكون هذا المرشح الشاب، الذي لم يكمل سنه الأربعين بعد من مواليد 21 كانون الأول/ ديسمبر 1977. فهل ينطوي هذا المرشح الشاب على بروفايل Profile رئيس جمهورية من حجم دولة مثل فرنسا؟ الحقيقة أن مثل هذا السؤال سبق وطرح على "ماكرون" وأجاب عنه طبعا بالإيجاب، بل الكثير من النقاشات والحوارات التي انصبت حول شخصه ما انفكت تطرح السؤال ذاته، ربما بسبب حداثة سنه، ومحدودية تجربته في عالم السياسة، والتحاقه غير القديم بقنوات العمل السياسي الحزبي. لكن، بالمقابل هناك من يرى فيه صورة فرنسا المستقبل، ونموذج النخبة التي يجب أن تقود الحياة السياسية الفرنسية، وتُزيح نظيرتها القديمة، وأن تفكيره، ورؤيته، وإستراتيجية برنامجه، ولو في خطوطها الكبرى، تعبر عن إرادة وطريق جديد للسياسة في فرنسا، ومن هذه الزاوية بالذات قد يكون الاختيار حاسماً لصالحه عوض منافسه "جون ليك ميلنشون"، الذي يغريه كلامه العواطف ويؤججها أكثر مما يجذب العقل، فهو استمرار لنموذج الزعامات السياسية الموسومة بالكارزما، والتي يبدو واضحا أن السياق الفرنسي بدأ في طيها بلا رجعة.. إنها مجموعة من التوقعات التي لا تمتلك سلطة اليقين عما سيحصل، لكن قيمتها المنهجية أنها تفتح الباب أمام الفرص والخيارات المطروحة أمام الناخب الفرنسي في اقتراع الأسبوع المقبل.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل