أكّدت وزارة الدفاع الأمريكية أمس أنها قامت في 13 أبريل الحالي باستخدام القنبلة (جي بي يو- 43) في أفغانستان لضرب أهداف تابعة لتنظيم الدولة في 13 أبريل الحالي. وتمّ إلقاء هذه القنبلة من طائرة "أم سي–130" على هدف تابع لتنظيم داعش في منطقة ننغرهار على مقربة من الحدود مع باكستان، وقد أدّى الهجوم بحسب وزارة الدفاع الأمريكية إلى مقتل حوالي 36 عنصراً من مقاتلي تنظيم داعش في أفغانستان.
وتعتبر هذه القنبلة التي تعرف باسم "أم القنابل" بمثابة أكبر قنبلة غير نووية في العالم، تمّ تصميمها في العام 2002، وإنتجت في العام 2003 لكن لم يقم الجيش الأمريكي باستخدامها على الإطلاق في أي من معاركه منذ ذلك الوقت وحتى التاريخ المذكور أعلاه نظراً لقدرتها التدميرية التي توازي القوة التدميرية لـ 11 طنا من "تي أن تي" شديدة الإنفجار، وهي تزيد في طولها عن 9 أمتار وتزيد في وزنها عن 10 أطنان.
وفقا للبيت الأبيض، فإن الهدف من استهداف هذه القنبلة كان تدمير شبكة أنفاق وكهوف يستخدمها تنظيم داعش في المنطقة من أجل التحرّك بحريّة تامة مما يجعل عملية استهداف القوات الأفغانية والمستشارين الأمريكيين أسهل بالنسبة إليهم، وذلك فقد كانت "أم القنابل" بمثابة الوسيلة للأماكن التي لا تستطيع القنابل التقليدية الوصول إليها. لكن هل يبرر مثل هذا الهدف استخدام هذه القنبلة بالتحديد؟
إذا لم يكن هناك رسائل من استخدام قنبلة "أم القنابل" لدول مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا، فإن استخدامها في هذه الحالة سيكون على الأرجح بمثابة أغبى عملية عسكرية تقوم بها الولايات المتّحدة على الإطلاق. لست من يقول ذلك، وإنما الأرقام نفسها. يبلغ ثمن القنبلة الواحدة من أم القنابل حوالي 16 مليون دولار، فيما تبلغ تكلفة تشغيل الطائرة التي حملتها حوالي 35 ألف دولار في الساعة الواحدة، واذا ما أضفنا ذلك إلى تكلفة الشحن والنقل وما رافقها من تكاليف إضافية وقسمناها على عدد من تمّ قتلهم من تنظيم داعش والبالغ 36 فسنصل بالتأكيد الى هذه النتيجة.
بمعنى آخر، وبحسبة بسيطة، فإن تكلفة قتل داعشي واحد تتراوح قيمة ما يحمله بين حوالي 100 دولار وبضعة مئات من الدولارات على أقصى تقدير ، تبلغ حوالي نصف مليون دولار. هذا أشبه باطلاق صاروخ لاصطياد برغشة أو ذبابة. الفعالية العسكرية لمثل هذه العملية مقارنة بالتكلفة المالية المرتفعة جدا تساوي صفرا على الأرجح. وإذا كانت واشنطن مضطرة لإستخدام هذه القنبلة في مثل هذه الحالات، فهذا يعني انّ "العدو المفترض" أو من ينوب عنه من دول سيكون قادراً على استنزاف واشنطن في مثل هذه السياسية.
لا بد من أنّ استخدام هذه القنبلة في هذه المرحلة بالتحديد يتعلّق بالرسالة السياسية أكثر مما يتعلّق بالمضمون العسكري سابق الذكر. فالهدف ليس ثمينا على الإطلاق، وداعش في أفغانستان ليست بالتهديد الحقيقي التي تمثله كما هو عليه الحال في سوريا والعراق، وبالتالي لا يوجد مبرر حقيقي من الناحية العسكرية فضلا عن المالية لإستخدام مثل هذه القنبلة في هذه العملية بالتحديد. ولذلك، لا بد أنّ الهدف الحقيقي في مكان آخر مختلف تماماً. إدارة ترامب تحاول على ما يبدو أن تضع سياسات محددة للتعامل مع الملفات الملتهبة حول العالم وذلك بعد 8 سنوات من سياسة التراجع التي أرساها أوباما. ولكي يصبح الخطاب الأمريكي أكثر مصداقية وتستعيد الولايات المتّحدة هيبتها فهي ستكون بحاجة إلى استعادة مصداقية التهديد بالخيار العسكري أكثر من أي شيء آخر .
قبل حوالي أسبوع قامت الولايات المتّحدة الأمريكية باستهداف قاعدة الشعيرات العسكرية التابعة لنظام الأسد، ردّاً على المجزرة التي إرتكبها ضد المدنيين باستخدام غاز السارين. صحيح أنّ الضربة كانت محدودة للغاية، لكنّ رسالتها الأهم كانت أنّ الولايات المتّحدة لن تسكت على خرق اتفاق تم في السابق (الاتفاق الكيماوي)، كما انّها لن تتردّد في التصرّف منفردة اذا ما فشلت الآلية الدولية في معالجة الوضع. وبعد أيام قليلة من هذه الضربة، نُشِرت تقارير إعلامية تؤكّد إستعداد الولايات المتّحدة لتنفيذ ضربة عسكرية محتملة ضد كوريا الشمالية اذا ما واصلت الأخيرة استفزازاتها عبر تجاربها النووية، وإثر ذلك أعلنت الخطوط الجوية الصينية تعليق كل رحلاتهامن بكين الى كوريا الشمالية الأمر الذي رآه البعض على أنّه استجابة ايجابية للتهديد الامريكي.
أمّا الآن فقد تمّ استخدام "أم القنابل" في أفغانستان، ولا شك بأنّها تُستخدم من قبل إدارة ترامب لإرسال الرسائل سواء لإيران وكوريا أو لروسيا والصين، رسائل تشير الى أنّ ترامب هو بالفعل رجل لا يمكن توقع تصرفاته أو قراراته وهذا بحد ذاته سلاح يكاد يساوي في فعاليته سلاح الردع النووي، ولا شك أنّه سيعطي دفعة كبيرة لمصداقية التهديدات الأمريكية باستخدام القوّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجدّية التي يعكسها البرنامج السياسي حال تمّ التوصّل بالفعل الى رؤية واضحة في الملف الإيراني والكوري الشمالي والسوري والعراقي والأفغاني. على كل حال، لن نضطر للانتظار طويلاً حتى نعرف النوايا الأمريكية الحقيقية في هذا الأمر.