على خارطة زوار البيت الأبيض يحصل الزعماء العرب على حصة معتبرة، وقبل الزيارة وخلالها وبعدها تضخ وسائل الإعلام المرافقة للزعيم العربي المال والأحلام والتوقعات، ويطرح كثير منها خطة الحوار مع صاحب البيت الأبيض الأمريكي.. وجرت العادة بعد اللقاءات أن يتحرك الهمس ومن ثم التصريحات عن لقطات مُذلة للزعماء العرب وغيرهم ممن حظوا بلقاء الرئيس الأمريكي المثير للجدل.
ويحمل الزعماء العرب في جعبتهم همومهم، وما يشغل بشكل أساسي أنظمتهم وأمنها، وما يتهددها من أخطار، بمعنى واضح أنهم يحملون على أكتافهم أثقالهم التي يدرك سيد البيت الأبيض دلالتها على العلاقة بينه وبينهم، فتكون الفرصة سانحة أن يملي تصوراته و"يقترح" أفكاره، فيكون إعلان الهزيمة حصل بمجرد اللقاء، والأسوأ على الإطلاق أن يحمل الزعماء العرب إلى البيت الأبيض قضاياهم الداخلية ويقدموا بين يدي سيد البيت الأبيض الأموال والمشاريع لشراء الأسلحة وتسكين الودائع في البنوك الأمريكية.. هنا نشعر أننا إزاء مشهد سريالي "فوق الواقع" أصبح من التعقيد إلى درجة عجز المتابع أن يتخيله.
أجل، أن هناك قضايا معقدة في المنطقة العربية، وصحيح انه يصعب حلها دون فتح ملفاتها مع الإدارة الأمريكية على اعتبار أنها طرف في معظم هذه القضايا، ولكن ذلك يستدعي استجماع القوة المعنوية والروحية وتوفير الظروف المناسبة لفتح تلك الملفات وإلا فإن النقاش لن يكون أكثر من أسلوب التلقين والإملاء.. وذلك ببساطة لأنها ملفات للأمريكان فيها مصلحة استراتيجية تمس التسيُّد الأمريكي على العالم والمصالح الاقتصادية الكبيرة، ومن هنا فلن تتهاون الإدارة الأمريكية بغض النظر عن لونها وأسلوبها في العمل بكل وعي للحصول على اكبر نصيب، ولن ينتابها شعورٌ بالذنب وهي تغتصب حقوقنا جميعا.
ما هو قائمٌ بين الدول العربية أمر محزن حقا.. فالحدود بين الدول مغلقة، والعلاقات في أفضل أحوالها شبه رسمية وبروتوكولية، ولا يقوم أحدٌ من زعماء العرب بما يحتمه الواجب من الإصلاح بين الإخوة المتحاربين والمتنازعين ولا يستفيد العرب من دروس التناحر التي دمّرت مدنا وشردت ملايين العرب..
ولعله اصبح من الواضح للجميع أن العرب جميعا هم الخاسرون.. لقد خسروا دورهم الاستراتيجي نحو بقية المسلمين، حيث يشكلون هم لا غيرهم المغناطيس المركزي للأمة لاحتواء جغرافيتهم على مواقع الإسلام المقدسة، ولارتباط تاريخ المسلمين بتاريخهم، ولتوسط موقعهم في الأمة، ولكتلتهم البشرية الحيوية في منطقة جيواستراتيجية حيوية.. لقد خسر العرب ما منحهم التاريخ والجغرافيا من دور كما خسروا ثرواتهم واستقرار بلدانهم وإمكانية النهوض الحضاري عندما انشغلوا بأزمات ما كان لها مبرر.. أن هذا جميعه كاف أن يقول أن الهجرة إلى البيت الأبيض الآن لا تعني إلا الاستسلام والتلقي للتنفيذ.
أن أمريكا في أسوأ مراحلها.. كما أن الكيان الصهيوني في أتعس أيام عمره المحدود.. ورغم كل الخسارات الحاصلة في العرب، إلا أنهم يمتلكون عناصر قوة طبيعية وحقيقية تحتاج فقط إلى من يرتبها ويوجِّهها، فيصبحون بذلك الأمة الشاهدة والخيِّرة، حيث سيتمكنون حينها من فرض حقهم وردع الآخرين عن التطاول على أمنهم واستقرارهم، وبذلك يصبحون عنصر توحيد لأمة الإسلام، التي لن يكون لها مستقبل دون تحريك الجغرافيا المركزية تحريكا إيجابيا.. وحينها سيكون البيت الأبيض بحاجة إلى أن يفتح ملفاته معنا بعقلانية.. تولانا الله برحمته.
الشروق الجزائرية