كتاب عربي 21

إن كنا نريد أن يتخلص المتطرفون من تطرفهم

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
لا شك أن المجتمع الإسلامي، يتحتم عليه التصدي لتأثير أصحاب الآراء المتطرفة، شأنه في ذلك شأن أي مجتمع آخر، لذا فنحن بحاجة لإجراء النقاشات والمناظرات داخل صفوفنا، كما أننا بحاجة إلى مكافحة التطرف. 

يطالبنا الغير بهذا طوال الوقت، ولكن في كثير من الأحيان أرى وكأنهم يريدون أن يملوا علينا الطريقة التي تجري بها نقاشاتنا الداخلية. فهم يريدوننا أن نعلن مواقف مصاغة بشكل رسمي عن التطرف والجماعات المتطرفة، ولعل هذا يرجع جزئيا إلى الإطار المرجعي الكنسي الذي يحكم تفكيرهم.

فهم يتصورون أن هناك هيئات مؤسسية يمكنها أن تطرد المسلمين المتطرفين من تحت مظلتها وتصدر تصريحات حاسمة تمثل الموقف الرسمي للإسلام؛ ولكن بالطبع الأمور لا تسير بهذا الشكل، فليس ثمة "فاتيكانا" مسلما، ولا بابا، ولا مقرا إسلاميا أو سلطة عليا معترف بها عالميا. كل ما هنالك أن لدينا علماء يصدرون فتاوى ونحن لنا كامل حرية قبول أو رفض هذه الفتاوى؛ ولا أحد لديه القدرة على طرد أي مسلم من تحت مظلة الدين، ولا من مظلة المجتمع.

يبدو أن غير المسلمين لا يدركون أن هناك شرطين أساسيين على الأقل حتى تؤتي نقاشاتنا الداخلية ثمارها. أولا، أي شخص يريد أن يساعد في تخليص المسلمين المتطرفين من تطرفهم يجب أن يكون صاحب مصداقية في أعينهم.

ولكن ما نراه هو أن معظم، إن لم يكن كل، منتقدي التطرف المعترف بهم من قبل غير المسلمين، هم أشخاص مرفوضون بادئ ذي بدء من المتطرفين، بل ومن المسلمين بشكل عام، فهم لا يرونهم إلا كمجموعة من كارهي الإسلام ومتملقين للنخب الغربية.

فحتى لو قدموا دون قصد انتقادات مفيدة، فلا أحد سيستمع إليهم بأي طريقة كانت، على الأقل ليس من يحتاجون إلى سماع نقد للأفكار المتطرفة. 

وهذا يقودنا إلى الشرط الثاني: إذا كنت تريد أن تساعد في تخليص المتطرفين من تطرفهم، فسيكون عليك أن تتفاعل وتتواصل معهم، ولكن غير المسلمين يريدوننا أن نتجاهلهم! فهل هذه هي الطريقة لتغيير تفكيرهم؟؟ إن لم تكن مستعدا للتحدث مع المتطرفين، فمن هم بالله عليك من تحاول أن تساعد في تخليصهم من تطرفهم؟ إلا أننا عندما نتفاعل معهم، يتم وصمنا بأننا متطرفون، فنتعرض لنفس الشكوك والمخاوف الأمنية التي تطاردهم. لقد واجهت هذا الأمر شخصيا، وبكلفة كبيرة.

بصراحة، لا أرى أن السلطة تريد أن تساعد في تخليص المتطرفين المسلمين من تطرفهم، فعدد المتطرفين بيننا قليل جدا مقارنة بجميع التدابير الأمنية الطائشة والتدخلات العسكرية التي يريدون تبريرها، وبكل بساطة، التخلص من التطرف ليس أمرا معقدا.

وتحديد المتطرفين الجهاديين ليس أمرا صعبا للغاية، فهم فخورون بأنفسهم ولا يستطيعون كبح جماح تباهيهم بما فعلوه أو بما يشاركون فيه، وهم مقتنعون جدا بخيرية موقفهم حتى أنهم يشعرون أن إعلانهم عن هذا النوع من المعلومات يجلب لهم الثناء، لا الحذر. 

ما أعنيه هو أن ما تقوم به السلطات الآن ليس إلا تحديد الشباب المتطرفين بالفعل، أو من هم في طريقهم إلى التطرف؛ ثم يقومون برصدهم، وكثيرا ما يرسلون إليهم عميلًا للتفاعل معهم، وغالبا ما يوجههم هذا العميل نحو العنف (تحت ذريعة رؤية ما إذا كانوا متطرفين بما يكفي لكي يتم اتهامهم بالعنف)؛ ثم يعتقلونهم لمحاولة ارتكاب هجوم إرهابي.

فإن كانوا جادين في تخليص مثل هؤلاء من التطرف، فيمكنهم بسهولة التعرف على الأشخاص المحتملين، ثم يرسلون إليهم عميلا للتفاعل معهم لتوجيههم (بعيدا) عن الفكر المتطرف بدلا من تسهيل تطرفهم، كما يمكن التدخل فعليا لمنعهم إن ساروا في أي مسار متطرف؛ ولكن هذا ليس ما يفعلونه. فما هو السبب؟

حقيقة أرى أن واجبنا هو التدخل وتوجيه هؤلاء الشباب. فهم يستمعون إلى نصوص ظلت عالقة في عجلة الزمن منذ عقود، إلا أنها جديدة بالنسبة لهم، وهم لا يملكون العلم الديني الذي يعينهم على تمييز هذه الأكاذيب والتفسيرات الخاطئة. 

لذا فعلينا أن نتفاعل معهم قبل أن يضروا أنفسهم والآخرين. نحن لا نريدهم أن يدركوا حقيقة أخطائهم وهم يواجهون عقوبة السجن مدى الحياة في زنزانة سجن ما، فنحن أحوج ما نكون لطاقتهم وحماسهم نحو العمل الإيجابي والبناء، بدلا من السعي وراء الكوارث.
1
التعليقات (1)
سامر
الأربعاء، 05-04-2017 12:44 ص
السيد شهيد بولسين: هناك نقطة أوردتها في خاتمة مقالك وأعتقد أنها من الأهمية بمكان أن تخصص لها مقالة كاملة: "فهم يستمعون إلى نصوص ظلت عالقة في عجلة الزمن منذ عقود" أظن أن هناك نصوصا عالقة منذ قرون وآن الأوان لتوضع في مكانها ضمن النصوص التاريخية وإخراجها من دائرة المقدس لتصبح ابنة زمانها وليست نصوصا عابرة للزمان والمكان. هذه حملة للتنوير والتوعية يجب على كل من يهتم لأمر هذه الأمة بل ولأمر الإنسانية كلها أن يقوم بها سامر

خبر عاجل