يتنامى الجدل في
الجزائر مع كل يوم جديد لا يظهر فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة؛ الذي كان آخر ظهور له يوم 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، قبل أن يستقبل عبد القادر مساهل، وزيره للشؤون المغاربية والإفريقية والجامعة العربية، الأحد.
ورغم أن الرئيس الجزائري، البالغ من العمر 80 سنة، والذي يعاني من
المرض منذ إصابته بجلطة دماغية يوم 27 نيسان/ أبريل 2013، عوّد الجزائريين على عدم الظهور، لأيام أو لأسابيع قليلة، إلا أن عدم ظهوره منذ 55 يوما متواصلة، زرع شكوكا جدية حيال وضعه الصحي.
وأمام استفحال الشائعات، حول تدهور صحته، اضطرت رئاسة الجمهورية بالجزائر، وكما فعلت من قبل، إلى إظهار بوتفليقة، وهو يستقبل الوزير مساهل. وقال بيان الرئاسة إن "رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة استمع لعرض قدمه وزير الشؤون المغاربية والإفريقية والجامعة العربية، حول تطورات الوضع بالمنطقة، لا سيما بليبيا ومالي".
ولم يضع ظهور بوتفليقة، الأحد، حدا لتساؤلات الجزائريين حول صحته، وانتقل الجدل من التساؤل حول أسباب عدم ظهوره إلى تجدد الجدل حول مدى قدرته على قيادة البلد في هذه الفترة الحساسة.
واتبعت الرئاسة بالجزائر؛ هذا الأسلوب الذي طالما انتهجته لوضع حد للشائعات، وإرسال إشارات مطمئنة للجزائريين بخصوص صحة رئيسهم، وقدرته على أداء مهامه الدستورية، ولكن أيضا، إرسال إشارات لخصومه السياسيين، الذين درجوا على المطالبة بتطبيق المادة 88 من الدستور، والتي تحولت إلى المادة 102، بموجب التعديل الدستوري الذي أقره الرئيس بنفسه يوم 7 شباط/ فبراير 2016.
لكن جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد"، المعارض، لا يرى بإظهار بوتفليقة، سببا كافيا لإبطال الشائعات حول غيابه، إذ يقول في تصريح لـ"
عربي21": "المشكلة أننا انتقلنا من الجدل حول هل بإمكان الرئيس ممارسة مهامه الدستورية، إلى الجدل حول وجوده حيا من عدم ذلك، وفقط".
وتابع جيلالي: "أعتقد أننا بمرحلة مفصلية، كما أن الغياب الواضح للرئيس عن أداء مهامه الدستورية أثر بشكل كبير على دور مؤسسات الدولة؛ التي أصبحت شبه مشلولة أمام أصحاب الظل من صناع القرار".
ويأتي مرور 55 يوما على غيابه عن المشهد العام، في ظل التحضيرات لتنظيم انتخابات نيابية، لكن الملاحظ أنه رغم غياب الرئيس طيلة هذه الفترة، ثم توجيهه رسالة إلى الجزائريين، بمناسبة عيد النصر 19 آذار/ مارس، الأحد، فإن خطابه لم يتضمن دعوته التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت بقوة.
ما بعد بوتفليقة
وأدى طول تكرار غياب الرئيس عن المشهد، إلى بروز جدل واسع حول من سيخلفه برئاسة الجزائر.
ويقول المحلل السياسي الجزائري، حميد غومراسة: لـ"
عربي21": "تشكل شعور عام بأن البلاد بلغت مرحلة ما بعد بوتفليقة، لذلك هناك من يترقب الإعلان عن حالة شغور منصب الرئيس، تتبعها إجراءات يحددها الدستور فيما يخص خلافة الرئيس. وهناك احتمال أيضا لإبقاء الوضع على حاله إلى 2019، موعد الانتخابات الرئاسية".
ويشير غومراسة إلى أن "الدستور يمنح رئيس الجمهورية سلطات غير محدودة، فهو وزير الدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس القضاة، وتعود له الكلمة في اختيار رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري، كما أنه يتخذ القرارات الاقتصادية، وهو أيضا رئيس الدبلوماسية الفعلي. لهذا عندما يتوقف نشاطه، تتأثر كل القطاعات فتصاب بالجمود"، بحسب تعبيره.
انتشار الشائعات
كما يشكل غياب الرئيس بوتفليقة عن المشهد السياسي؛ هاجسا لدى الأحزاب السياسية المعارضة، التي قررت المشاركة بالانتخابات النيابية شهر أيار/ مايو المقبل، حيث تطالبه بضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات.
ويعتقد عبد المجيد مناصرة، رئيس "جبهة التغيير" الإسلامية، التي اندمجت مع حركة مجتمع السلم، منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي لترتيب لوائح انتخابية مشتركة، أن "هناك عوامل عديدة مؤثرة في الانتخابات المقبلة، أهمها انتشار الإشاعات حول صحة الرئيس"، مضيفا في تصريح لـ"
عربي21"، أن "مثل هذه الإشاعة تسمم الحياة السياسية".
وكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، قد أكد بمؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي؛ أن "الرئيس بخير"، وخاطب الصحفيين الجزائريين بالقول: "كفوا عن السؤال حول صحة الرئيس واتركوه يرتاح"، على حد تعبيره.
لكن مناصرة اعتبر أن "تصريحات ولد عباس مدعاة للشك والبلبلة"، مضيفا: "الإشاعة تطرد بالحقيقة وليس بالكلام".