تشير التحركات غير الدبلوماسية التي بدأتها ألمانيا ومن بعدها هولندا ثم جاءت الدنمارك لتتعاطف مع موقف هولندا من الحكومة التركية التي أرسلت ببعض وزرائها إلى الجاليات التركية في البلدين في حملة للتعريف بالاصلاحات الدستورية الجديدة، هذا الرفض والمنع والجليطة الدبلوماسية يشكل في رأيي أخطر تعبير أوربي عن مدى حنق أوروبا بتركيا حكومة وشعبا كدولة مسلمة.
القصة كما نعرفها جميعا هي أن السلطة التركية بدأت خطواتها العملية للتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ما يستدعي تعديلات دستورية، هنا ثارت ثائرة أوروبا التي تخشى تغيير النظام، إذ أن الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان صعب المراس، وذو رأي وصاحب رؤية والأهم أيضا أنه صاحب انجاز اقتصادي قد يكون مضرا ببعض دول أوروبا إذا استمر في طريقه التي يسلكها رغم كل العوائق التي تواجهه.
رفضت ألمانيا السماح لوزراء أتراك أن يلتقوا بالجالية التركية لشرح موضوع التحول إلى النظام الرئاسي عوضا عن النظام البرلماني الحالي والذي يرى الرئيس أردوغان أنه أصبح جزء من الماضي وأن التحديات الجديدة تستدعي تغييرا في شكل النظام، الأمر الذي تراه أوروبا على أنه تحرك لتعزيز سلطات أردوغان ويهيئ الأجواء لاستعادة تركيا لدورها كدولة مركزية لخلافة عثمانية قادمة لا محالة .
وبصراحة فإن أوروبا اليوم لم تعد قادرة على إخفاء كراهيتها لتركيا وللمسلمين بل وللاسلام، كما أن الرئيس التركي يعلم أن الانضمام إلى الاتحاد الأوربي لم يعد ممكنا، كما أنه يفضل بناء دولة نموذج يمكن أن تصلح كمركز لحلم اقليمي تنتظره الشعوب العربية والمسلمة بشغف .
السؤال اللغز هو ما علاقة ألمانيا وهولندا والدنمارك وغيرها بموضوع الاستفتاء على الدستور التركي ؟ الموضوع بكليته تركي بامتياز فالناخب تركي والحكومة تركية والدستور تركي فلماذا تعترض هذه الدول على تحرك محلي؟
بداية هذا التحرك التركي جاء وأوروبا منقسمة على ماضيها تبحث عن بعث جديد بعد أن أصبحت قوالب نمطية لا تثير اعجاب حتى الأوربيين أنفسهم، كما أن أوروبا تجتاحها فوبيا الاسلام، وهي أيضا في انتظار ما ستسفر عنه انتخابات يتوقع الكثيرون أنها ستصب لصالح التيار الشعبوي والقوميين المتعصبين الذين تحركوا للضغط على حكوماتهم لمنع لقاء الوزراء الأتراك مع الجاليات لشرح التعديلات الجديدة.
المقطع الذي ظهر فيه المعارض الهولندي المعروف جيرت فيدلرز بتطرفه وعدائه السافر للاسلام يعطينا فكرة عن أوروبا الجديدة، تماما كما كشفت أمريكا عن وجهها الحقيقي حين جاءت بدونالد ترامب رئيسا برغم تصريحاته الفوضوية، وعدوانيته السافرة للإسلام والمسلمين المتطرف اليميني.
هذا المقطع الذي انتشر عبر المواقع انتشار النار في الهشيم هو بالضبط ما تؤمن به معظم حكومات أوروبا ولكنها ومن أجل المصالح كانت تخفي حقيقة ما تضمره، أو لنقل كانت تتعامل بحكمة وواقعية في انتظار اللحظة التي توقعها وينتظرها ستيف بانون كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض وهي لحظة الحرب الحقيقية على الإسلام.
الهجوم الأوربي الممنهج على تركيا وحكومتها ورئيسها مثل فرصة تاريخية أمام الرئيس التركي لكي يعزز علاقته بشعبه وبأمته كحاكم مسلم يفخر بدينه كما أن موافقه السياسية ضد أوروبا وامريكا والتي جلبت له المشاكل تمثل حالة الهام لشعوب المنطقة.
ما حدث لا يمكن فصله عن مشهد دق طبول الحرب على الإسلام والتي تقرع منذ عقدين على الأقل في أوروبا، ولا عن لحظة فوز ترامب الرئاسة الامريكية رغم بوحه بكراهيته للاسلام، ولا حتى عن اللحظة التاريخية التي هزم فيها الشعب التركي الانقلاب المحمول جوا والمدعوم برا وبحرا في محاولة لفرملة التجربة التركية الوليدة.
إذا كانت تركيا قد أصابها جرح أو قرح من مواقف ألمانيا وهولندا وتضامن الدنمارك مع الأخيرة، فإن أوروبا قد اصابتها عدة قروح نالت منها وحولتها إلى عجوز كئيب، تاريخها أفضل كثيرا من حاضرها، ومستقبلها قد يكون أكثر كآبة من حضارها.
أوروبا القديمة ستدخل غرفة الانعاش قريبا وليس بعيدا، وستفوز أحزاب غير تقليدية وسترتفع نعرة الحرب على الاسلام بلا مواربة وبلا خجل، هذا ليس رأيي بل أدعوك عزيز القارئ للاطلاع على مقال نشرته مجلة الفورين أفيرز في السابع من ديسمبر الماضي وكتبه استاذ جامعي متخصص في العلوم السياسية هو دانييل كليمين توقع فيه دخول الديمقراطية في نفق مظلم إذا ما فازت أحزاب اليمين والتيار الشعبوي في انتخابات ألأمانيا وهولندا وفرنسا، ويتوقع الكاتب في المقال المعنون ب" العصر المظلم للديمقراطية الأوربية "وقوع تسونامي يميني وشعبوي قد يهدد ديمقراطيتها العريقة.
الديمقراطية الغربية في طريقها للفناء بعد أن كفر بها من ابتدعوها.
1
شارك
التعليقات (1)
عبدو خليفة
الإثنين، 24-04-201709:05 م
النظام الرئاسي والنظام البرلماني كلهما من أنظمة الحكم الغربية، فالنظام البرلماني يمثل النموذج البريطاني والنظام الرئاسي يمثل النموذج الأمريكي، والجدير بالذكر أن كلهما لا صلة له بالإسلام، والأنظمة الغربية عموما تجعل التشريع من حق الشعب وهو مما لم يتغير في تركيا.
السؤال: فمادام الأمر هكذا لماذا نرى كل هذا الغضب والانزعاج على وجوه القادة الغربيين من التغييرات في تركيا؟ إن هذا دل على شيء إنما يدل على هشاشة قاعدة الغرب الفكرية والحضارية ، لذلك فالغرب يحسب كل حركة تغيرية في البلاد الإسلامية ضده، على الرغم من امتلاكه قوة هائلة يستطيع يدمر بها العالم الإسلامي ولا يبالي، وله عملاء فكريين وعسكريين وسياسيين في زاوية من الوطن الإسلامي .