قضايا وآراء

الحرية والوطن.. أيهما أولى؟

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
ليست المرة الأولى التي يطلق فيها السؤال التفضيلي بين الحرية والوطن، وليست المرة الأولى التي يسقط البعض في مصيدة هذا السؤال عن اندفاع أو عن سذاجة، حتى إن البعض استخدم موقفه السياسي اللحظي وتركه يوجه الإجابة. وما كاد من أجاب أن يسقط في الفخ، حتى انطلق الكثيرون بالهجوم على السائل، ولم يحاولوا مساءلة من أخطأ الإجابة.

دعنا نتفق على قاعدة لم ولن تتقدم الشعوب دونها، ألا وهي أنه لا يوجد سؤال خطأ أو سؤال ممنوع، وأن كل الأسئلة مسموح بها، وأن السائل دائما يطرح سؤالا مرّ على مخيلة ما في وقت ما وينتظر الإجابة الصحيحة، وأنه لا توجد إجابة واحدة صحيحة بل هناك اجتهادات، إلا أنه لا يصح لمجتهد أن يجيب متحججا بأسانيد مبتورة أو غير صحيحة.

ونعود لإجابات السؤال، فعندما خُيّر أحدهم بين الوطن والحرية، انطلق يغرد في حب الوطن وضرورته، وأنه مقدم على الحرية، وأن الحرية بلا وطن لا قيمة لها، وأنه لا مانع أن يتنازل الإنسان عن حريته ليحتفظ بمكانه جغرافيا على أرض الوطن.

وانطلق آخر يتحدث عن ضرورة الحرية، وأن الوطن لا قيمة له دون حرية، ووقع آخر في الفخ ذاته، وسفه من فكرة الوطن وربطه بالفكر العلماني، وكيف أنه يتعارض مع الدين، وخلط آخر بين مفهوم الوطن والدولة، واعتبر الوطن قيد على الحرية.

ولا شك أن ذلك كله يعيدنا لمن سفه مفهوم الوطن وحوله إلى مهزلة وفرغه من المضمون، حين وصف الوطن بـ"الحضن" و"الحب"، وهو لا يحتضن إلا رفات من قتل ولا يحب إلا من زرعوه في قلب الوطن ليدمره.

إن كل من أجاب بأي من تلك الإجابات قد أخطأ، وكما قلنا، البعض عن عمد والآخر عن تسرع، ومنهم من حمّل موقفه السياسي اللحظي إثم الإجابة. ولنحاول الإجابة عن السؤال التفضيلي بين الحرية والوطن، وسنضيف له الدولة حتى نزيح غمامة اللبس التي ألقاها علينا البعض.

فالحرية نعمة كبرى أعطاها الخالق للإنسان، إلا أنه لم يطلقها على المشاع، بل قيّدها بحدود التعايش والاحترام المتبادل بين الشركاء، مما يجعل من الحرية حق للجميع، فلا يُسمح لأحد بأن يجور على حرية الآخر، ليصبح الناس شركاء في كل شيء: شركاء الدار وشركاء الشارع والحي، والمواطنون هم شركاء الوطن. والحرية المقيدة بالتعايش والاحترام بين المواطنين نعمة وليست نقمة، نعمة لا يعرفها إلا من هجر الوطن بحثا عن الحرية، هذه النعمة تشكل أهداف وأحلام المواطنين، وكيان الوطن والمشروع المشترك لنهضته. 

أهذا يجعل الوطن أهم أم الحرية؟


من هجر الوطن، فقد هجره بحثا عن الحرية لأن المسيطرين على الوطن سلبوا حرية الوطن والمواطن، فخرج المواطن بحثا عن الحرية، حريته الشخصية وحرية وطنه، ولذا نجد أن أغلب من هجروا الوطن انشغلوا بقضاياه، فتجمعوا دفاعا عن وطنهم. ولذا وجدنا الجميع، وخاصة مواطني الوطن العربي، خرجوا يعزفون لحن الوفاء لثورات شعوبهم التي انطلقت لتحرير الوطن.

هؤلاء المواطنون انضم لهم في المنفى الاختياري من خرج من مصر الوطن، عقب الانقلاب الدموي الذي أطاح بالثورة وحلم الحرية، خرجوا من الوطن على أمل العودة، عودة يعملون ليلا نهارا لتحقيقها. أصابوا أم لم يصيبوا، إلا أنهم اجتهدوا في حب الوطن، وملأتهم الرغبة في العودة إليه عندما يتحرر بسواعدهم التي يقيدها النظام الذي خرجوا من قبضته ليتحرروا هم والوطن.

والوطن ليس النظام، إن النظام هو الذي يسَير الأمور العامة ويضع السياسات العامة للوطن. والنظم المتحكمة الفاشية هي من تقيد حرية المواطنين وتسلب خيرات الوطن، وهم يقيدون الحرية خوفا منها.. خوف النظام من المواطنين.

ولأن النظام ليس الوطن، فلم يستسلم الشرفاء للنظام الفاسد ليخلصوا الوطن منه، ولو استسلموا لاستتب له الأمر.

أما الدولة، فهي المنظومة الإدارية التي تدير الحياة اليومية. فهي تمهد الطرق وتعمر المباني. هي تديرالحياة اليومية ولكنها ليست الوطن، وإن لم تقم بدورها ذلك لصالح الوطن، فهي الدولة الفاسدة التي فسادها يوجب استبدالها، وإن أصبحت لعبة في يد النظام المتسلط، يصبح القضاء عليها فرضا على كل نفس. القضاء عليها وعلى النظام القائم على الوطن، وليس استبدال الوطن.

لقد خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة للمدينة مهاجرا من ظلم أهلها الذين يمثلون النظام والدولة، وبقي خارج مكة متشوقا للعودة لها حتى تمكن من ذلك، فعاد للوطن ليسقط النظام ودولته ويبني الدولة العادلة، ومثله سنعود جميعا لأوطاننا لنبنيها حرة بحريتنا وليس بخنوع المستسلمين.   

فإذا عدت لتخيرني بين حريتي ووطني، فلن أختار، وسأعمل بكل جهدي في الداخل والخارج كي أنال حريتي وحرية الوطن، رغم المنظومة الفاسدة ومغتصبي السلطة.
1
التعليقات (1)
الحرية هي الاسلام
الإثنين، 13-03-2017 06:34 ص
والوطن هو الجنه