أشاد اليمين الإسرائيلي بعدم مبالاة الرئيس الأمريكي بحل الدولتين، معتبرين ذلك نصرا لهم، إلا أن احتفالهم واحتفاءهم بموقفه قد يثبت أنه سابق لأوانه.
كانت قسمات وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس ترامب يوم الأربعاء، تشير بوضوح إلى مدى ارتياحه وهو يلتقي الساكن الجديد للبيت الأبيض.
لقد كان وجه نتنياهو متهللا في لقائه مع ترامب؛ تعبيرا عن الرضى مقارنة بالتوتر الذي كان يبديه في أثناء فترة التقاط الصور له مع الرئيس باراك أوباما بعد كل لقاء جمعهما، مع العلم أن حفل التقاط الصور لم يحصل بعد واحد من لقاءاتهما في شهر مارس من عام 2010.
عندما فاجأ ترامب الجميع بالطلب من جمهوره إبداء احترامهم لزوجة نتنياهو، سارة، التي تتعرض لهجوم دائم في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لابد أن نتنياهو شعر بالامتنان له.
رد نتنياهو الجميل عندما جزم في معرض جوابه على سؤال وجهه إلى ترامب صحفي إسرائيلي بشأن تصاعد معاداة السامية في الولايات المتحدة الأمريكية، بأنه ما كان بإمكان الشعب اليهودي أن يجد صديقا أفضل من ترامب. ولكن ليس كل المنظمات اليهودية الأمريكية تتفق معه فيما ذهب إليه.
ولكن لم تكن تلك مجرد لفتات، بل لقد ندد ترامب بالمعاملة "غير المنصفة" التي تلقتها إسرائيل من الهيئات الدولية، فيما اعتبر إشارة واضحة إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير المتعلق بالمستوطنات، الذي امتنعت إدارة أوباما عن استخدام الفيتو لإعاقته، الأمر الذي أزعج إسرائيل أيما إزعاج. ولقد عبر نتنياهو عن ذلك في حينه.
"الشيء الذي يحبه الطرفان"
إلا أن جل التركيز انصب، وحق له ذلك، على رد ترامب على سؤال وجه له حول التزامه بحل الدولتين، حيث قال: "دولتان أو دولة واحدة، سوف يسعدني الشيء الذي يحبه الطرفان."
اعتبر اليمين الإسرائيلي ذلك نصرا مؤزرا، وبشكل خاص من قبل نافتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي الذي يقود حملة سياسية لصالح "دفن" فكرة الدولة الفلسطينية، فقد كانت تلك هي الكلمات التي ظلوا ينتظرون منذ سنوات طويلة أن يسمعوها من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
سأل الصحفيون نتنياهو مرارا وتكرارا عما إذا كان قد تخلى عن فكرة حل الدولتين، وهو الحل الذي كان هو نفسه قد تبناه في خطاب له في جامعة بار إيلان في شهر يونيو (حزيران) من عام 2009. من الواضح أنه كان أقل ابتهاجا من بينيت، فقد امتنع عن ذكر أي حل، سواء حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، وقال مقرعا الصحفيين: "أنتم تسألونني عن مجرد علامات (ماركات) وأنا أتعامل مع الجوهر."
مشاكل في الوطن
ولكن لو وضعنا جانبا الأجواء الحميمية التي سادت اللقاء بين نتنياهو وترامب، فقد تسبب تصريحات الرئيس الأمريكي مشكلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي؛ ففي داخل بلاده، قد يواجه نتنياهو مطالب متزايدة بضم منطقة "جيم" في الضفة الغربية، أو على الأقل بضم معالي أدوميم، أكبر مستوطنة في القدس الشرقية.
حتى الآن، لم يبد نتنياهو شهية كبيرة للقيام بهذا التحرك، ولكن بينما يجري تفسير تصريحات ترامب في أوساط اليمين الإسرائيلي على أنها تمثل ضوءا أخضر للقيام بالضم، قد يجد نتنياهو صعوبة أكبر في مقاومة الضغط القادم من قبل بينيت، وحتى من داخل حزب الليكود الذي يترأسه هو.
في لقاء مع الصحفيين بعد اجتماعه مع ترامب، صرح نتنياهو بأنه لا توجد لديه نية لضم مليوني فلسطيني، إلا أن ذلك لن يكون نهاية الحكاية. كان نتنياهو قد عارض قانون المصادرة أو ما يسمى في إسرائيل "قانون التطبيع"، إلا أن القانون صوتت له أغلبية كبيرة. ويمكن أن يحدث الشيء نفسه بشأن قانون الضم المقترح لمستوطنة معالي أدوميم، الذي يعرض الآن أمام البرلمان.
وقد يواجه نتنياهو مشاكل أصعب فيما يتعلق ببناء المستوطنات، فعلى النقيض من معارضته لضم المستوطنات، فإن نتنياهو يؤيد توسيعها، بل لقد وعد بأن يبني مستوطنة جديدة للمستوطنين الذين تم إخلاؤهم من مستوطنة "أمونا" قبل أسبوعين.
ولكن يبدو أن ترامب على الرغم من مشاعره الدافئة تجاه نتنياهو، طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بالدعس على الفرامل والتوقف عن توسيع المستوطنات، فلقد توجه إليه الرئيس خلال المؤتمر الصحفي نفسه، وقال له: "أمسك عن الاستيطان قليلا." ربما سببت هذه الكلمات حالة من الاستياء لنتنياهو، وذلك أنها تشبه، ولو مع بعض الاختلاف، تجميد المستوطنات الذي فرضه أوباما على إسرائيل بعيد استلامه للسلطة مباشرة في عام 2009.
في ذلك الوقت كان نتنياهو يقود ائتلافا حكوميا يتكون من حزب كاديما الذي ترأسه تسيبي ليفني، بالإضافة إلى حزب العمل. أما الآن فهو يقود ائتلافا هو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. فيما لو دفع ترامب بالفعل ولو فقط نحو تجميد محدود كمعروف يسديه له صديقه الإسرائيلي، فسيكون ذلك بمنزلة كابوس لنتنياهو. ونظرا لأنه الآن يواجه تحقيقا جنائيا ضده يكتسب مزيدا من الجدية يوما بعد يوم، فإن قدرته على التأثير على حلفائه آخذة في التضاؤل.
سواء قصد ترامب إعادة النظر في حل الدولتين أم كانت تصريحاته مجرد نزوة أخرى من نزواته، فإن المجتمع الدولي يقينا لا يؤيده فيما ذهب إليه.
أكد نتنياهو وترامب، كلاهما، أهمية اتفاق إقليمي يشتمل على دول عربية "معتدلة" لم تذكر بالاسم. إلا أن مصر وجامعة الدول العربية، أعادتا تأكيد التزامهما بحل الدولتين، ولذلك إذا ما قرر ترامب ونتنياهو التخلي عن نموذج الدولتين، فإن عليهما أن يسيرا في هذا الدرب وحدهما.
والأسوأ من ذلك أن حل الدولتين – في شكله الديمقراطي، وليس كنموذج للتمييز العنصري (الأبارتيد) كما يتصوره اليمين في إسرائيل – طالما حظي بالدعم الشعبي في أوساط الفلسطينيين، وذلك أن حل الدولتين لم يكن سوى وليد تسوية، بررت في أغلب الأحيان بالزعم أنها أسرع وأفضل طريقة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
لو شعر الفلسطينيون أن التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين يترنح، فقد يعودون إلى أفكارهم القديمة التي تدعم قيام دولة علمانية ديمقراطية في كل فلسطين التاريخية.
وكان أحمد الطيبي، عضو البرلمان الإسرائيلي الفلسطيني الذي يحب استفزاز الرأي العام اليهودي، قد صرح بأنه في حال قيام الدولة العلمانية الديمقراطية في كل فلسطين، فإنه سيترشح لانتخابات رئاسة الوزراء وربما ألحق الهزيمة بنتنياهو، وتنبأ قائلا: "سيدعمني جميع الفلسطينيين وبعض اليهود". ما من شك في أن هذا الخيار سيكون أسوأ ما يمكن أن يحلم به نتنياهو.
تكمن المشكلة بالنسبة لنتنياهو في أنه لا يملك التأثير بأي شكل من الأشكال على ترامب. يقول أحد كبار المعلقين الإسرائيليين، إن نتنياهو عندما كان يقف في وجه أوباما، كان يعلم مسبقا بأنه يحظى بدعم مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
ولما كان شقا الكونغرس اليوم كلاهما في أيدي الجمهوريين ويدعمان ترامب، فإن مجال المناورة أمام نتنياهو بات ضيقا جدا حتى يجازف بالدخول في حرب مع الرئيس الجديد؛ ولذا سيجد نفسه مضطرا لقبول أي شيء يعرضه ترامب عليه، ولعل هذا ما يفسر أنه تجرع عبارة "دولتان، دولة واحدة" دون أي احتجاج رغم معرفته طوال الوقت بما تحمله من دلالات ومن مآلات سلبية. بل وقد يضطر لأن يتخذ قرارا بالتجميد الجزئي للاستيطان.
ولعل من المفارقات العجيبة، أنه في ظل حكم أكثر رئيس صهيوني عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها، قد يجد نتنياهو نفسه أكثر عزلة من أي وقت مضى.