التجاذب الحاصل داخل حزب «المصريين الأحرار» ليس جديدا في الساحة السياسية، ذلك أن الانقلابات التي تتم لتصفية حسابات الأجنحة المختلفة لأسباب شخصية أو استجابة لضغوط أمنية باتت أمرا مألوفا، فبعضها تصدر عناوين الصحف مثلما جرى في حزب الوفد، والبعض الآخر تم في هدوء مثلما جرى في حزب التجمع. وكقاعدة، فما من حزب في مصر يتحرك الآن بعيدا عن أصابع الأجهزة الأمنية. يؤيد ذلك ويشهد به تركيبة مجلس النواب الحالي، الذي لم يعد يختلف أحد على أن الأمن كان حاضرا ليس فقط في ترشيح أغلب أعضائه، وإنما أيضا في حركتهم داخل المجلس.
لست بصدد الدخول في موضوع صراعات المصريين الأحرار التي أدت إلى إطاحة مؤسسه رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس وتشكيل قيادة جديدة له، لكن ما دعاني إلى التطرق للموضوع واقعة سجلتها جريدة الشروق أمس الجمعة، وأبرزتها على الصفحة الأولى في عناوين مثيرة، منها تهديد وجهه إلى نجيب ساويرس عضو مجلس النواب السيد علاء عابد قال له فيه: "سأحبسك". وعلى صفحة داخلية استكملت الجريدة العنوان بحيث أصبح نصه كالتالي: "سأحبسك بالقانون، ولو كنت أنا خبيرا في التعذيب فأنت خبير في هدم الأنظمة".
هذا العنوان له قصة، خلاصتها أن السيد ساويرس قال في تصريح صحفي له عن أسباب الخلاف داخل الحزب، إنه أبدى رأيا اعترض فيه على تأييد الحزب لانتخاب علاء عابد رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالمجلس، في حين أن الرجل خبير في التعذيب. ولكن رأيه لم يؤخذ به. هذه المعلومة التي كررها ساويرس أكثر من مرة أثارت غضب علاء عابد المؤيد من رئيس الحزب الجديد، فرد عليه بتهديده بالحبس على النحو الذي ذكرت.
حين طالعت تصريحات السيد علاء عابد التي نشرت مع التقرير أمس، لاحظت أن الرجل لجأ إلى الهجوم والتنديد بساويرس، لكنه لم ينف التهمة التي وجهت إليه؛ إذ لم يتطرق بكلمة إلى ما نسبه صاحبنا إليه بخصوص خبرته أو صلته بالتعذيب، وذلك أسلوب شائع في بعض مدارس الحوار، التي يلجأ فيها من تضعف حجته إلى تجريح الشخص بدلا من مناقشة الموضوع؛ كأن تختلف مع آخر في قضية فيكون رده أنك إرهابي أو إخوانجي أو غير ذلك من الصفات التي تنتقص من الرجولة. وقد لاحظت أن السيد علاء عابد اتبع الأسلوب نفسه؛ إذ بدلا من أن يفند الادعاء عليه بأنه خبير في التعذيب، فإنه اتهم السيد ساويرس في وطنيته وبسخريته من المصريين، ولم ينف الموضوع الأصلي المتعلق بدوره في التعذيب، وهو ما أفهمه؛ لأن سجل الرجل المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يضعف موقفه كثيرا في هذه النقطة، ذلك أن التفاصيل المنشورة بالأسماء والتواريخ تضطره إلى تجاهل دوره في التعذيب؛ لأنه لو نفاه لفتح على نفسه بابا لا يستطيع إغلاقه، وأغلب الظن أنه سيفقده ــ أدبيا على الأقل ــ شرعيته بصفته رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان.
الملاحظة الثانية على كلام السيد علاء عابد تنصب على تهديده للسيد ساويرس بالحبس، وأرجح أن جريدة الشروق حين أبرزت الكلمة على الصفحة الأولى، دفعها إلى ذلك غرابة التهديد ووجه الإثارة فيه، أعني أنها لم تأخذه على محمل الجد، لكني أختلف معها في ذلك لأن السيد عابد حين قالها فإنه تكلم بلغة «المقدم» ضابط المباحث، الذي قضى أعواما في الخدمة؛ ذلك أن خبرته تعلمه أن بوسعه أن يحبس أي شخص بتهم جاهزة لا أساس لها، وشهود حاضرون، وتحريات أمنية تؤدي الغرض، وتقارير وشهادات للطب الشرعي لا يخر منها الماء. وفي السجون والمعتقلات الآن مئات أو أكثر من الأبرياء حبس كل واحد منهم بكلمة من ضابط مباحث أو أمين شرطة. ولدى المنظمات الحقوقية ولديّ شخصيا نماذج من تلك الحالات.
ما أريد أن أقوله، إن السيد عابد كان جادا في تهديده لأن مثله يملك ذلك حقا، لكن المشكلة أنه حين أصاب فيما قاله، فإنه أخطأ العنوان!