خلال ما يقارب عامين من الحرب المستمرة على
تعز ظهرت عدد من الأصوات التي تتحدث أن تعز لن تستعيد عافيتها، وأنها أصبحت وكراً لجماعات مسلحة كما يروج بعض المنهزمين من الداخل، بغية تحقيق مصالح شخصية ضيقة لا تخدم تعز إطلاقاً.
كما أن وسائل الإعلام لعبت دوراً في تجاهل الوجه المدني لتعز بقصد أو بدون قصد وأظهرتها كثكنة عسكرية تخلت عن مدنيتها، كما أن هذه الأصوات لم تتطرق لتأقلم المواطنين مع واقع الحرب وتفاصيل الحياة اليومية للمدينة، وهذا الأمر رسم صورة ذهنية كارثية في عقول من يعيشون خارج المدينة، وأضفى صورة للمدينة يطغى عليها الوجه العسكري بصورة مبالغ فيها.
صحيح أن القذائف والصواريخ التي تطلقها الميليشيات لاتزال حاضرة، لكن ذلك لا يمنع شوارع المدينة وأسواقها من أن تكتظ بالمواطنين والباعة في عز الظهيرة في تحدٍ فريد لآلة القتل والتدمير، فإرادة الحياة أصبحت أقوى بكثير لدى أبناء تعز، ومشاهد القصف والدمار وإن كانت موجعة إلا أنها أصبحت مألوفة، في مدينة تخلصت من عقدة الخوف عندما قررت خوض المواجهة مع سلاح دولة مغتصبة.
عادت تعز إلى كراسي التعليم مجدداً رغم التحديات التي لا تزال تواجه مسار التعليم والتي تسببت بها حرب المليشيات على المدينة، من تدمير للمدارس، وعرقلة الطلاب في الإلتحاق بمدارسهم وكلياتهم داخل المدينة، إضافة إلى توقف رواتب المعلمين التي دخلت شهرها السادس دون أي بارقة أمل.
يعود شباب تعز إلى مقاعد الجامعة مجدداً بعد توقف الدراسة لأكثر من عام ونصف، وبعضهم يخوض معركة القلم في أروقة الجامعة، قبل أن يعود لمواصلة معركة التحرر على جبهات المدينة الثائرة، هي إذن معادلة الواقع المر الذي فرض نفسه في لحظة غياب الدولة وتحولها إلى قطيع من المليشيات التي لم تتعرف عن قرب على طبيعة الجغرافيا التعزية التي تمزج بين تناقض البندقية والقلم لتحتفظ بهويتها المدنية لا أكثر.
في تعز ستجد الأطفال يحدثونك ملء أفواههم بلغة الكبار عن الحرب ومآسيها، وعن الحياة ومعانيها، عن أحلامهم الكبيرة، وتطلعاتهم التي لا يقيدها
حصار المليشيات، يعيشون اللحظة والزمن، يسخرون من أصوات القذائف، وينامون مبكراً حتى لا تفوتهم حصص التعليم التي حرموا منها منذ عام ونصف.
التجول بكل أريحية في شوارع المدينة وأسواقها وحاراتها ومدارسها يؤكد أن المدينة ستعود أفضل مما كانت بعزيمة الذين يواجهون الموت تحت موجات الشتاء في أطراف المدينة، إنهم يسطرون الحياة من فوهة بنادقهم لأجل الحياة في تعز، بينما يصر البعض على شيطنتهم وتحويل تعز لثكنة عسكرية مع أنها ليست كذلك.
ومن المضحك المبكي حالة الضخ الإعلامي التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي التي تتطرق لبعض المشاكل الأمنية في المدينة، وتعمد إلى شيطنة وتشويه صورة الجيش الوطني، وإظهاره كميليشيات مسلحة تتنازع فيما بينها، إضافة إلى الكتابات الفيسبوكية التي تتجاهل الوجه المشرق في مناحي الحياة اليومية، وتركز بشكل واسع على جملة من الاختلالات التي تظهر من حين لآخر، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك كتابات منصفة تنتقد في حدود المعقول ومن دافع الحب والانتماء لمدينة أنهكتها حرب ظالمة.
الحياة في تعز تستعيد عافيتها يوماً بعد آخر، وهناك خطوات يجري العمل عليها لتفعيل مؤسسات الدولة، وضبط الأمن وإن بصورة بطيئة، في ظاهرة تعزز من عظمة مدينة تؤطر السلام في الأحياء والشوارع غير آبهة للقذائف القبيحة التي يطلقها من لا يستحقون الحياة، والسلام أيضاً.