تجري مؤخرا محاولات لإعادة العلاقة بين حركة حماس وكل من إيران وحزب الله إلى ما كانت عليه سابقا قبل الثورة السورية، وتخلق مثل هذه الخطوة حالة جدلية كبيرة لا سيما من الناحية الأخلاقية والمبدئية بشكل ينزع القدسية عن القضية الفلسطينية ويجرّدها من اعتباراتها السامية المتعلقة بقضية مقاومة محتل ومستوطن على اعتبار أنّ ما يفعله النظام الإيراني في عدد من الدول العربية لا يقل عن ما يفعله الصهاينة في فلسطين بل يزيد.
لكنّني لن أناقش هذا الموضوع هنا، فسأتركه لمقال آخر، وسأركز عوضاً عن ذلك على الشق السياسي المتعلّق بالجهود الجارية لتثويق العلاقات بين حماس وإيران وحزب الله والانعكاسات الخطيرة والمدمّرة لمثل هذه الخطوة في هذا التوقيت بالتحديد على حماس، وعلى القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
هناك من يقول إنّ حركة حماس قامت خلال السنة الأخيرة بمراجعة نتيجة تراجع المد الثوري والوضع المصري والتحول في ميزان القوّة لصالح إيران وأدواتها في سوريا ولبنان والعراق، وإنّ الجهود المبذولة لتوثيق العلاقة مع إيران نابعة من هذه هذه المراجعة. لكن لا يبدو أنّ مثل هذه الخطوة تأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك رئيساً جديداً في الولايات المتّحدة الأمريكية وأنّ هناك سياسات جديدة أيضاً في المنطقة.
ولأنّه من الصعب بمكان توقّع تحرّكات الرئيس ترامب، فإن المنطق السليم يفترض أنّ التحوّط من كل ما من شأنه أن يضع الشعب الفلسطيني في موقف أصعب من الموقف الحالي، يجب أن يكون أولويّة لدى حماس. المشهد العام بخصوص العلاقة مع إيران لا يشير حتى هذه اللاحظة إلى أنّ هناك أي نوع من أنواع التحوط، بل هناك تأكيد على التقارب مع إيران ومع حزب الله، وهو امر خطير جدا لا سيما في هذه المرحلة بالتحديد لعدّة أسباب أهمها:
أولا: سبق للشخصيات الرئيسية في إدارة ترامب -بمن فيهم الرئيس نفسه- أن أدلت بتصريحات تكشف عن فحوى التوجهات المتشددة التي سيتم انتهاجها ضد إيران. خلا ل الأيام القليلة الماضية تحوّل الجدل الكلامي بين الإدارة وبين إيران إلى فعل، فتمّ فرض العديد من العقوبات على النظام الإيراني. تشير المؤشرات المتوافرة حالياً إلى أنّ الاشتباك الأمريكي-الإيراني يسلك مساراً تصاعدياً، وهذا ما يفترض أنّ النظام الإيراني سيقوم في مرحلة من المراحل بالرد أيضاً.
لكن وكما علّمنا تاريخ نظام الولي الفقيه وسلوكه، فهو أجبن وأضعف من أن يقوم بالمعركة بنفسه، وإنما يرد باستخدام وكلائه وعملائه ويخوض معركته بهم في ملعب غيره. ومن الغني عن التعريف أنّ الملاعب العربية هي الملاعب المفضّلة للنظام الإيراني، وللساحة الفلسطينية دورها بطبيعة الحال، وقد تكون الساحة المفضلة لإيران في مرحلة من المراحل القادمة، فافتعال حرب هناك سيركّز الأنظار على إسرائيل، وسيصهر الإسلاميين والقومجيين واليساريين في بوتقة واحدة، وسيجيّر الرأي العام لصالح إيران، ولكن من غير الممكن لإيران فعل ذلك ما لم يكن لها مدخل إلى الساحة الفلسطينية.
عودة العلاقة بين حماس وإيران يفتح المجال للأخيرة لكي تستخدم الساحة الفلسطينية في معركتها مع أمريكا و/أو مع اسرائيل، وحتى وإن لم تستخدم إيران حماس نفسها لمثل هذا الغرض، يكفي أنّ مثل هذا الانفتاح سيؤمّن لها الشرعية اللازمة للعب في الملعب الفلسطيني، فضلا عن إمكانية استخدامها للحركات الأخرى المحسوبة عليها. مثل هذه الخطوة سترتد بالتأكيد على الشعب الفلسطيني وعلى حركة حماس نفسها، وسيدفع هؤلاء الثمن غالياً في الوقت الذي ستتغنى فيه إيران بـ"دعمها" للمقاومة بينما تجلس مع الكبار لتتفاوض بهم. ألم يحصل ذلك من قبل بالفعل؟
ثانياً: بغض النظر عن ما تقوله حماس عن نفسها وعن مدى استقلاليتها في اي علاقة مع إيران، أو عن مدى قدرتها على أن تفرض نفسها لاعباً موازياً في الثقل والدور مع دولة من جحم إيران، فإن كثيرين يرون أنّ مثل هذه العلاقة بين حركة وبين دولة، هي علاقة غير متوازنة بطبيعتها وستكون اليد العليا فيها لإيران دوماً، وهو ما سيتيح لملالي طهران استخدام حماس بحكم الأمر الواقع شاءت الحركة أم أبت.
مثل هذا التصور خطير جداً خاصّة انّ هناك من يؤمن في الغرب بأنّ حماس هي بالفعل جزء من منظومة ايران الاقليمية بما في ذلك الكثير من أقطاب هذه الادارة الأمريكية الجديدة. تعزيز العلاقات مع إيران في هذا التوقيت سيعزز بدوره من نظرة هؤلاء، وستكون حجّة إضافية لهم لإستهداف الحركة (أعلاميا، سياسيا، اقتصاديا، وربما عسكريا أيضا). إسرائيل سيكون لها مصلحة أيضاً في التركيز على أنّ حماس تدور بالفعل في فلك إيران إذا ما تحسّنت علاقة الحركة بإيران، ومن غير المفهوم لماذا يجب علينا أن نعطي الإسرائيليين والمتطرفين المعادين لحماس ورقة إضافية في يدهم لدعم مزاعمهم في حين أن انعكاسات أي دعم مزعوم من إيران للحركة يفوق بمراحل ضخمة واقع هذا الدعم!
ثالثا: إسرائيل لها موقعها المميز اليوم في قلب الإدارة الأمريكية وليس كما كان عليه الأمر في عهد أوباما، ولذلك فإن القادة الإسرائيليين سيكونوا مستعدين لشن حروب مع ضمان حصولهم على الدعم ليس من إدارة ترامب فقط بل ربما من روسيا أيضاً. وفي مثل هذا الموقف، من الأفضل الابتعاد عن كل ما من شأنه إعطاءهم ورقة أو ذريعة لشن حرب ثبت خلال السنوات الماضية أنّهم إذا لم يضطروا لمصلحتهم الخاصة إلى دخولها فإنهم لن يدخولها.
في المقابل، ليس هناك أدنى شك من أنّ النظام الإيراني سيحرص إذا ما تصاعد اشتباكه مع الإدارة الأمريكية أو مع إسرائيل على فتح جبهة إقليمية، فهذا أمر مفروغ منه ومثبت تاريخياً بحكم التجارب الكثيرة التي مررنا بها في المنطقة. فلسطين لن تكون مستثناة من المعادلة الإيرانية، والمشكلة أنّ النظام الإيراني لا يكترث بتاتاً لما سيصيب الناس أو البلاد في مثل هذه المعارك، فهو في نهاية المطاف لا يدفع من جيبه أي شيء. ما تسببت به إيران في لبنان من دمار لا سيما في العام 2006 لتحريك ملفها النووي فقط كفيل بإثبات وجهة النظر هذه، فهل ستكون حماس مستعدة لتحمّل مثل هذه التكاليف من أجل إعادة العلاقة مع إيران؟! وهل سيكون الشعب الفلسطيني قادراً على تحمل مثل هذه المعارك لأهداف لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهم أو بفلسطين؟!
رابعاً: يجب أن لا ننسى أيضاً أنّ هناك حديث متواصل عن نيّة إدارة ترامب وضع الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وهذا يعني أنّ حماس على الرادار الأمريكي منذ البداية، وأنّه ليس هناك من داعٍ لرفع الخرقة الحمراء أمام الثور الهائج، وأنّ البديل في مثل هذه الأوضاع هو الحرص التام على الحصول على الدعم الكامل للشعوب العربية والإسلامية. وفي هذه النقطة بالتحديد فإنّ العلاقة مع إيران وحزب الله لا تساعد على تحقيق هذا الهدف وإنما تخلق شروخات كبيرة في الواقع العربي والإسلامي الداعم لحماس والذي يعتبر الحاضنة الحقيقيّة لحماس حتى لدى أتباع حماس أنفسهم. لا بدّ من الاعتراف بأنّ هناك شرائح واسعة جداً في العالم العربي والإسلامي باتت تنظر إلى النظام الإيراني وتوابعه في المنطقة على أنّه نظام احتلال وتهجير واستيطان قام خلال سنوات قليلة فقط مادّياً ومعنوياً بأضعاف ما قام به الصهاينة في فلسطين خلال أكثر من نصف قرن -وهذا إدعاء قابل للبرهان والإثبات أيضاً بطريقة علمية-، وأنّ جريمة العلاقة بين حركة تحرر إسلامية (حماس) وبين إيران لا تقل عن جريمة علاقة أي طرف مع إسرائيل بل تزيد عنها لأنّ أصحاب العلاقة مع إسرائيل لا يدّعون ما تدّعيه حركات التحرر الإسلامية.
خلاصة القول وبغض النظر عن الذرائع التي يسوقها البعض لتبرير توثيق علاقة حماس بايران وأتباعها، ومن منطلق حسابات الربح والخسارة المحضة، ايران لا تقدّم أي شيء بالمجّان، وحتى لو افترضنا جدلا أنها فعلت ذلك، ليس هناك من أدنى شك في انّ التكاليف الكارثيّة المدمّرة المترتبة على ذلك أكبر من أي دعم مزعوم او موعود من نظام الملالي الى حماس.
2
شارك
التعليقات (2)
ناجي صبيح / لبنان
الأحد، 12-02-201710:20 ص
وان كنت من اشد مناصري حماس إلا ان المقال معم و يستخق التوقف عنده و الوقوف بتمعن على ما فيه . . سأصوره و أوزعه على البعض ممن لم بألفوا التعامل مع الشبكة العنكبوتية حتى ?ن ..
بحريني
الأحد، 12-02-201712:41 ص
من وين جايب هذي المعلومات يالطيب ؟ تخبيص وتحليلات ركيكة، وتسلق على إشاعات من شأنها التشويه لسمعة الحركة المجاهدة بحثاً عن الشهرة!
علان بلال
الأحد، 12-02-201712:30 ص
تحية لكاتب المقال علي حسين باكير
أولاً كاتب المقال يبدو انه يتكلم عن حركة اسمها حماس غير الحركة التي يعرفها القاصي والداني انها حركة مقاومة قامت من اجل تحرير فلسطين ولم تقم من اجل ان تُرضي أمريكا والكيان الصهيوني بل هدفها محاربة الكيان الصهيوني
ثانياً اعتب على الموقع ان يفتح المجال لمثل هذه المقالات