حين أفتى رئيس البرلمان المصري بأن ميزانية المجلس «أمن قومي»، فإن ذلك كان خبرا جديدا شككني في معلوماتي القانونية التي أعترف بأنها تآكلت بمضي الزمن، إلا أنني لم أجد للفكرة أصلا حين رجعت إلى ثلاثة دساتير صدرت في مصر. وحين سألت مَن أعرف من أساتذة القانون في ذلك فإنني سمعت منهم تعليقات شديدة، كان أخفها أن ذلك «كلام فارغ» ينتهك الحق في تداول المعلومات الذي قرره الدستور.
ولأن رئيس البرلمان أستاذ في القانون الدستوري ويفترض أنه لا ينطق عن الهوى، فقد خطر لي أن يكون قد أعمل خلفيته القانونية واستنبط حكما جديدا خوَّل له أن يطلق فتواه، عندئذ قلت إن الرجل الذي لا بد أن يعي الدور البارز الذي قامت به الأجهزة الأمنية في تشكيل المجلس، ووجد أن ذلك مما يحتاج إلى تحصين. وكما أنه منع إذاعة جلسات المجلس على الهواء من باب الاحتياط والشدة، فإنه ارتأى أن ميزانية المجلس لا بد أن تحاط بالسرية حتى لا يطلع الأعادي وأهل الشر على أوجه إنفاقها ويطلعون من خلالها على بعض أسرار الشغل.
خطر لي احتمال آخر، خلاصته أن رئيس البرلمان ليس مضطرا لأن يشرح خلفية «اجتهاده». ذلك أنه بحكم موقعه أدرى بالمصالح العليا التي تدفعه لاتخاذ إجراءات يستهجنها البعض، لكنه لا يجد نفسه مضطرا لإيضاحها حتى للمجلس ذاته، فقد سبق للبرلمان أن صوت مرتين على مناقشة موضوع المستشار هشام جنية رئيس جهاز المحاسبات الأسبق من خلال الاطلاع على تقريره عن أوجه الفساد الذي أثار ضجة في حينه ومقابلته بتقرير اللجنة الرئاسية التي انتقدته.
لكنه رغم ذلك احتفظ بنتيجة التصويت في مكتبه ولم يفعل شيئا مما قرره المجلس، وفعل الشيء نفسه بالنسبة لعضوية الدكتور عمرو الشوبكي للمجلس التي قررها له القضاء، لكنه احتفظ بالنتيجة في مكتبه ولم يمكّن الدكتور الشوبكي من حلف اليمين رغم مضي خمسة أشهر على حكم محكمة النقض لصالحه، وهو ما حدث أيضا لقرار المجلس تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موضوع الدواء، على غرار ما حدث في موضوع القمح، إذ احتفظ رئيس المجلس بالقرار في مكتبه واعتبره كأن لم يكن، ولم يجد نفسه مضطرا لتفسير موقفه. وهو حين يفعل ذلك، فإنه يكرر ما تفعله الحكومة مع المجلس ذاته، ذلك أنها تتجاهله وتمارس معه «الطناش» في أمور كثيرة مهمة، من ذلك ما جرى في موضوع قرض صندوق النقد الدولي (12 مليار دولار)، إذ أبرمته الحكومة وقبضت الدفعة الأولى منه، ولم يخطر لها أن تعرض الأمر على البرلمان كما ينص الدستور.
بقيت عندي ملاحظتان، الأولى أن الدكتور علي عبد العال الذي لا يحتمل توجيه أي نقد للحكومة، دأب على استخدام الإرهاب الفكري لإسكات ناقديه، بمن فيهم أعضاء البرلمان، إذ اعتبرهم أصحاب أجندات خاصة وممولين من الخارج ويستهدفون إسقاط الدولة.
الثانية أن قصة الـ18 مليون جنيه التي أنفقت لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس تفضح البذخ الذي تمارسه مؤسسات السلطة. وهي التي تحدثنا عن التقشف وتعاير الشعب بفقره، وتطلب منه التبرع بالفكة، وتدعو كل فرد لأن يصبِّح على مصر بجنيه. الأخطر من ذلك أن الملايين التي أنفقت لشراء السيارات الثلاث، تعد قطرة في محيط البذخ الذي يعلن عن نفسه في أنشطة عمرانية وإعلامية عديدة، مسكوت عنها. وهو ما لا تستطيع لجنة لتقصي الحقائق أن تتصدى له، ليس فقط لأن تشكيل البرلمان للجنة من رابع المستحيلات، ولكن أيضا لأن الأطراف المعنية في هذه الحالة تعرف جيدا أنها فوق المساءلة والحساب.
حين أفتى رئيس البرلمان المصري بأن ميزانية المجلس «أمن قومي»، فإن ذلك كان خبرا جديدا شككني في معلوماتي القانونية التي أعترف بأنها تآكلت بمضي الزمن، إلا أنني لم أجد للفكرة أصلا حين رجعت إلى ثلاثة دساتير صدرت في مصر. وحين سألت مَن أعرف من أساتذة القانون في ذلك فإنني سمعت منهم تعليقات شديدة، كان أخفها أن ذلك «كلام فارغ» ينتهك الحق في تداول المعلومات الذي قرره الدستور.
ولأن رئيس البرلمان أستاذ في القانون الدستوري ويفترض أنه لا ينطق عن الهوى، فقد خطر لي أن يكون قد أعمل خلفيته القانونية واستنبط حكما جديدا خوَّل له أن يطلق فتواه، عندئذ قلت إن الرجل الذي لا بد أن يعي الدور البارز الذي قامت به الأجهزة الأمنية في تشكيل المجلس، ووجد أن ذلك مما يحتاج إلى تحصين. وكما أنه منع إذاعة جلسات المجلس على الهواء من باب الاحتياط والشدة، فإنه ارتأى أن ميزانية المجلس لا بد أن تحاط بالسرية حتى لا يطلع الأعادي وأهل الشر على أوجه إنفاقها ويطلعون من خلالها على بعض أسرار الشغل.
خطر لي احتمال آخر، خلاصته أن رئيس البرلمان ليس مضطرا لأن يشرح خلفية «اجتهاده». ذلك أنه بحكم موقعه أدرى بالمصالح العليا التي تدفعه لاتخاذ إجراءات يستهجنها البعض، لكنه لا يجد نفسه مضطرا لإيضاحها حتى للمجلس ذاته، فقد سبق للبرلمان أن صوت مرتين على مناقشة موضوع المستشار هشام جنية رئيس جهاز المحاسبات الأسبق من خلال الاطلاع على تقريره عن أوجه الفساد الذي أثار ضجة في حينه ومقابلته بتقرير اللجنة الرئاسية التي انتقدته، لكنه رغم ذلك احتفظ بنتيجة التصويت في مكتبه ولم يفعل شيئا مما قرره المجلس، وفعل الشيء نفسه بالنسبة لعضوية الدكتور عمرو الشوبكي للمجلس التي قررها له القضاء، لكنه احتفظ بالنتيجة في مكتبه ولم يمكّن الدكتور الشوبكي من حلف اليمين رغم مضي خمسة أشهر على حكم محكمة النقض لصالحه، وهو ما حدث أيضا لقرار المجلس تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موضوع الدواء، على غرار ما حدث في موضوع القمح، إذ احتفظ رئيس المجلس بالقرار في مكتبه واعتبره كأن لم يكن، ولم يجد نفسه مضطرا لتفسير موقفه. وهو حين يفعل ذلك، فإنه يكرر ما تفعله الحكومة مع المجلس ذاته، ذلك أنها تتجاهله وتمارس معه «الطناش» في أمور كثيرة مهمة، من ذلك ما جرى في موضوع قرض صندوق النقد الدولي (12 مليار دولار)، إذ أبرمته الحكومة وقبضت الدفعة الأولى منه، ولم يخطر لها أن تعرض الأمر على البرلمان كما ينص الدستور.
بقيت عندي ملاحظتان، الأولى أن الدكتور علي عبد العال الذي لا يحتمل توجيه أي نقد للحكومة، دأب على استخدام الإرهاب الفكري لإسكات ناقديه، بمن فيهم أعضاء البرلمان، إذ اعتبرهم أصحاب أجندات خاصة وممولين من الخارج ويستهدفون إسقاط الدولة.
الثانية أن قصة الـ18 مليون جنيه التي أنفقت لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس تفضح البذخ الذي تمارسه مؤسسات السلطة. وهي التي تحدثنا عن التقشف وتعاير الشعب بفقره، وتطلب منه التبرع بالفكة، وتدعو كل فرد لأن يصبِّح على مصر بجنيه. الأخطر من ذلك أن الملايين التي أنفقت لشراء السيارات الثلاث، تعد قطرة في محيط البذخ الذي يعلن عن نفسه في أنشطة عمرانية وإعلامية عديدة، مسكوت عنها. وهو ما لا تستطيع لجنة لتقصي الحقائق أن تتصدى له، ليس فقط لأن تشكيل البرلمان للجنة من رابع المستحيلات، ولكن أيضا لأن الأطراف المعنية في هذه الحالة تعرف جيدا أنها فوق المساءلة والحساب.