اندلعت في الأيام القليلة الماضية
مواجهات عسكرية بين جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل سورية مسلحة أخرى، على خلفية مشاركة تلك الفصائل في مؤتمر أستانة الذي أنهى أعماله في العاصمة الكازاخستانية الثلاثاء الماضي.
وتكوَّن وفد الفصائل السورية المعارضة من ممثلين عن 14 فصيلا عسكريا، مع امتناع حركة أحرار الشام عن المشاركة، ومعارضة جبهة فتح الشام لمشاركة الفصائل فيه بحسب تقارير صحفية متداولة.
وكانت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) أصدرت بيانا الإثنين الماضي، حذرت فيه من المشاركة في المؤتمر، وتوعدت بإفشال "المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها، وحياطة الساحة ومنع انهيارها عسكريا بحفظ الثغور، وسياسيا بإجهاض المشاريع المستوردة، وإفشالها وتقويضها، ومنع مرورها" بحسب ما جاء في البيان.
وبدا واضحا من بيان الجبهة مدى تخوفها الجدي من توظيف الفصائل الأخرى كأدوات "لمشروع يديره أعداء الثورة" على حد عبارة البيان.
ووصف البيان "ما يحاك ويصدر من قرارات في الأستانة وغيرها من قتالنا وعزلنا ليس مجرد كلام، وإنما هو بداية لمرحلة خطيرة سيكون لها آثارها السلبية على الساحة"، محذرا جنود الفصائل الأخرى "من أن يكونوا أدوات من حيث لا يشعرون لمشروع يديره أعداء الثورة والجهاد".
وتعقيبا على ما قامت به جبهة فتح الشام من مهاجمتها لمواقع تابعة لجيش الإسلام، وصقور الشام بريف إدلب، استنكر المجلس الإسلامي السوري تلك الهجمات، واعتبر الجبهة "بغاة صائلين معتدين، استحلوا الدماء والحرمات، وجمعوا إلى ذلك فكر الخوارج في تكفير المسلمين والخروج على جماعتهم المتمثلة في بلاد الشام بعلمائها ومجلسها الإسلامي وهيئاتها الشرعية وفصائلها المجاهدة وتجمعاتها المدنية وعامة الأمة".
وأفتى المجلس في بيانه بوجوب "قتالهم وردهم عن بغيهم، وعلى جميع الفصائل الاجتماع على ذلك فقتالهم شرعي مبرور، ومن سيتردد فسيكون ضحيتهم المقبلة، ولا يعذر أحد شرعا بنكوصه عن قتالهم تذرعا بورع بارد".
ووفقا للباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، مصطفى حمزة فإن "الصدام بين "فتح الشام" والفصائل السورية كان متوقعا من الجانبين، لا سيما بعد مؤتمر أستانة، واستنادا إلى المعلومات التي وردت للجبهة، فإن تلك الفصائل اعتبرت "فتح الشام" فصيلا إرهابيا، وأعلنت الحرب عليه".
وأضاف حمزة لـ(
عربي21) "كما أن الائتلاف الوطني السوري المعارض أصدر بيانا أدان فيه الجبهة، مؤكدا عدم انفصالها عن تنظيم القاعدة، مما دفع "فتح الشام" إلى البدء بالهجوم على الفصائل عملا بالمثل المصري القائل (أتغدى به قبل أن يتعشى بي)، وتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء".
وأوضح حمزة "أن عقيدة فتح الشام هي ذاتها عقيدة تنظيم القاعدة، الذي لا يؤمن بالحراك الثوري مثله مثل التنظيمات "الجهادية" الأخرى وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يعني أن رؤية الجبهة وأهدافها تختلف عن رؤية الفصائل السورية المعارضة وأهدافها".
ولفت حمزة إلى أن "طبيعة العقلية الحاكمة لجبهة فتح الشام، بما تتسم به من انغلاق وجمود تجعلها تنظر إلى الجميع من منظورها هي، بمعنى أن من ليس معها فهو عدوها، وعليها محاربته"، مؤكدا أن الاقتتال بين الجبهة والفصائل الأخرى يصب في مصلحة نظام الأسد وحلفائه، ويعيق تقدم الثورة السورية ووصولها لما ترجوه وتطمح إليه".
ورأى حمزة أن "الأخطر فيما يحدث هو احتمالية حدوث تحالف عسكري بين جبهة فتح الشام، وتنظيم الدولة إذا ما أعلنت الجبهة توبتها عن مناوأة التنظيم، وأنها فشلت فيما سعت إليه، وطلبت توحيد الجهود تحت راية التنظيم".
من جهته شكك الناشط السوري، عبد الرزاق فضل فيما أعلنته جبهة فتح الشام من أن سبب هجومها الأخير على فصائل الثورة كان بسبب ذهابها إلى الأستانة، مشيرا إلى أن جبهة النصرة قبل عامين قضت على 17 فصيل ثوري، ولم يكن مطروحا يومها مؤتمر الأستانة".
وتابع فضل لـ"
عربي21": "جبهة فتح الشام تسعى إلى إقامة إمارة منذ زمن، وفك ارتباطها بالقاعدة كذب وخدعة، وهي لم تتخلَ عن إقامة الإمارة"، لافتا إلى أن الجولاني يتبع نفس أسلوب البغدادي في محاربة الفصائل، فتنظيم الدولة حينما حارب فصائل الثورة كان يقضي على فصيل واحد كل فترة، لينتهي به الأمر إلى ضرب كل من تبقى دفعة واحدة بسبب مؤتمر أصدقاء سوريا حينذاك.
وأضاف "وهذا ما نرى الجولاني يقوم به اليوم، حيث التشابه في الأسباب والأحداث، فجبهة فتح الشام تشن اليوم هجوما على جميع المحاور من ريف إدلب الشمالي إلى ريف حماة الشمالي، وهي تهاجم مقرات جيش الإسلام في بابسقا بريف إدلب الشمالي، ومقرات صقور الشام في جبل الزاوية، إضافة لمهاجمتها لنقاط ومواقع لتجمع "فاستقم".
وذكر فضل أن حركة أحرار الشام تقف على الحياد، لوجود قادة وشرعيين متشددين يرفضون مواجهة جبهة فتح الشام، مع أن تلك الفصائل أعلنت انضمامها لأحرار الشام.
وأبدى فضل تخوفه من أن استهداف فتح الشام لأحرار الشام ربما يكون بعد قضاء الجبهة على فصائل الجيش الحر، وفصائل الثورة الأخرى، متخوفا من تكرار سيناريو الرقة بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، وهو ما يرجح حدوثه ما لم تقف حركة أحرار الشام في وجه الجبهة.
وفي السياق ذاته أكدّ الإعلامي السوري فؤاد حلاق أن سبب مهاجمة جبهة فتح الشام لبعض فصائل الثورة، يرجع لمشاركتها في مؤتمر الأستانة، الذي تضمن بندا يوجب على الفصائل قتالها كما تدّعي الجبهة.
وقال حلاق لـ"
عربي21": "لا يوجد موقف موحد من قبل الفصائل لقتال "فتح الشام"، مع أنها ككتلة صارت أكبر، خاصة بعد انضمام معظم الفصائل التي اعتدت الجبهة عليها إلى حركة أحرار الشام.
وتعليقا على موقف حركة أحرار الشام من الأحداث الجارية، وصف حلاق الحركة بـ"صاحبة المواقف الباردة اتجاه ما يحدث، وهو ذات الموقف من أيام تنظيم الدولة إلى يومنا هذا، وهي لا تتخذ قرارات حاسمة اتجاه ما يحدث، خاصة وأن الخلافات الداخلية في الحركة تجعل مواقفها هشّة لاتخاذ قرارات جدية حيال ما تقوم به جبهة فتح الشام".
وجوابا عن سؤال حول تداعيات المواجهات العسكرية الحالية بين جبهة فتح الشام والفصائل الأخرى؟ بيّن حلاق أن الجبهة لا تقبل تحكيم الشرع، ولا تستجيب لنداءات أهل العلم لوقف عدوانها على الفصائل الأخرى، مبديا تخوفه من حدوث انشقاقات في صفوف أحرار الشام، لوجود تيارات متوافقة فكريا مع فتح الشام.
ووفقا لحلاق فإن "أكبر مشكلة تواجه الشمال السوري ليس في قتال فتح الشام للفصائل الأخرى، بقدر احتمالية حدوث انقسامات وانشقاقات داخل حركة أحرار الشام، ووقوف حركة عماد الدين زنكي على الحياد، القريب في حقيقته من فتح الشام، مع أن الزنكي فصيل غير مؤدلج، لكنه بهذا الحياد يساند فتح الشام.
وتشير آخر تطورات الساحة السورية إلى تشكيل هيئة جديدة اسمها (هيئة تحرير الشام) بقيادة المهندس أبو جابر هاشم الشيخ، وانضمام كل من جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين زنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة لها، بعد أن أعلنت عن حل نفسها "واندماجها اندماجا كاملا ضمن كيان جديد تحت مسمى "هيئة تحرير الشام".
يُذكر أن اقتتال الفصائل السورية الأخير، أثار استياء شديدا في أوساط محبي الثورة السورية ومؤيديها، وأطلق العنان لتخوفات حقيقية من أن "هذه المليشيات المتصارعة كارثة على الثورة السورية، وستقود إلى أفغنة سوريا، وربما تفككها.." بحسب تغريدة للأكاديمي السعودي الدكتور عبد الرحمن الصقير الذي ختمها بقوله "هنيئا للروس والإيرانيين بهم