لست صاحب العنوان أعلاه، ولا المقصود به الرئيس الأخير الذي تم تنصيبه رسميا أمس (الجمعة 20/1)، لكن صاحب العنوان هو معلق الواشنطن بوست، أيوجين روبنسون، وقد كتبه منتقدا أداء الرئيس بوش الابن في مقالة استوقفتني واحتفظت بها منذ نشرتها الصحيفة الأمريكية في شهر نوفمبر عام 2007. ولست أخفي أنها أعجبتني لأسباب مهنية؛ إذ قدرت فيها شجاعة الكاتب في انتقاد رئيس الدولة في مجتمع ديمقراطي، يستطيع فيه الصحفي أن يجهر برأيه في إنكار ما يراه منكرا في أداء ولي الأمر وسياساته، ثم يعود إلى بيته مطمئنا بعد ذلك، ويظل رأسه في مكانه فوق كتفيه، الأمر الذي يسمح له بأن يعود للكتابة مرة أخرى، إلى غير ذلك من غرائب وعجائب المجتمعات الديمقراطية.
قال صاحبنا إن الرئيس جورج بوش تسبب في إحباط ونقمة مواطنيه على نحو لم يسبقه إليه رئيس آخر منذ ظهور استطلاعات الرأي في أمريكا، باستثناء الرئيس ريتشارد نيكسون (صاحب فضيحة ووترجيت). وهو من وصلت نسبة الرافضين لسياسته إلى 48% من الأمريكيين، وقد بنى رأيه على نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب، تبين منه أن ثلثي الأمريكيين غير راضين عن سياسات الرئيس. وعلق على ذلك قائلا إنه عندما يرى ثلثا المواطنين أن زعيم البلاد يفتقر إلى الكفاءة التي يؤدي بها عمله (وتلك عجيبة أخرى)، فإن ذلك يصبح أمرا سيئا للغاية ينبغي أن يدرس جيدا وأن تعالج عواقبه.
"انظروا فقط إلى الوضع الذي سيرثه الرئيس الذي سيخلف بوش". قالها روبنسون ثم استعرض المواقف التي تبناها بوش على الصعيدين السياسي والاقتصادي. من غزو العراق ومساندته لنظام ديكتاتور باكستان برفيز مشرف، وفضائح تعذيب المشتبه في تورطهم بالإرهاب في العراق، وصولا إلى الوضع الاقتصادي الذي نضبت فيه الخزينة جراء الحروب، وازداد فيه الأثرياء ثراء، في حين يعيش 40 مليون أمريكي من دون تأمين صحي.
أضاف الكاتب أن سجل الرئيس الحافل بالإخفاقات إن لم يرشحه كأسوأ رئيس في التاريخ الأمريكي، فهو على الأقل من أسوأهم. وتساءل في ختام مقالته عما إذا كان الأمريكيون سيحتملونه لأربعة عشر شهرا أخرى (حتى تنتهي ولايته) أم لا؟
لم أقرأ شيئا للكاتب الآن، بعد انتخاب دونالد ترامب. خصوصا بعدما بينت استطلاعات الرأي العام التي كان آخرها قبل يومين من تنصيبه، أن 40% فقط من الأمريكيين يؤيدونه. علما بأن مؤيدي أوباما كانوا 82% ومؤيدي كلينتون كانوا 62%. والقلق هز الولايات المتحدة وصدم قطاعات عريضة فيها جراء تصريحاته المثيرة، التي لم تتوقف منذ حملته الانتخابية وبعد فوزه، الأمر الذي جعله يحتل المرتبة الأسوأ في التاريخ الأمريكي بغير منازع. عبر عن ذلك زميلنا الأستاذ حازم صاغية محرر صحيفة «الحياة» اللندنية الذي قال عنه إنه «مرآة أسوأ القيم وأسوأ الأذواق. وأنه خلطة من الشعوبية وتمجيد القبح والابتذال، وأن انحطاط الشعبوية يتجسد فيه. لذلك اعتبر يوم الجمعة الذي ينصب فيه مأتما لملايين الأمريكيين وجمعة حزينة جدا» (الحياة 17/1).
لا أعرف كيف سيحتمله الأمريكيون طوال السنوات الأربع المقبلة، كما أنه من الصعب التنبؤ بما سيحدثه في العالم من هزات، خصوصا في ظل عدائه للديمقراطية وازدرائه لحقوق الإنسان وخصومته للفلسطينيين ومراهناته السياسية على روسيا في مواجهة الصين. أما شأن الداخل فالأمريكيون كفيلون به. ذلك أن حصانات النظام وقوة مؤسسات المجتمع وجرأة المواطن العادي التي تعكس وتعبر عنها وسائل الإعلام. ذلك كله بوسعه أن يوقفه عند حده وأن يحاسبه، على الأقل بما لا يمكنه من التجديد لولاية ثانية.
لا خوف على الولايات المتحدة إذن، لأن الخوف علينا في ظل رئاسته أكبر دولة في العالم.